للامتزاج والاختلاط بين البدنين كما هو بين الروحين ولهذا يسمى جماعا وخلاطا ونكاحا وإفضاء لأن كل واحد منهما يفضي إلى صاحبه فيزول الفضاء بينهما
فإن قيل فهذا يوجب تأكد الحب بالجماع وقوته به والواقع خلافه فإن الجماع يطفىء نار المحبة ويبرد حرارتها ويسكن نفس المحب قيل الناس مختلفون في هذا فمنهم من يكون بعد الجماع أقوى محبة وأمكن وأثبت مما قبله ويكون بمنزلة من وصف له شيء ملائم فأحبه فلما ذاقه كان له اشد محبة وإليه أشد اشتياقا وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عروج الملائكة إلى ربهم أنه سبحانه يسألهم عن عباده وهو أعلم بهم فيقولون إنهم يسبحونك ويحمدونك ويقدسونك فيقول وهل رأوني فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوني تقول الملائكة لو رأوك لكانوا أشد تسبيحا وتقديسا وتمجيدا ثم يقولون ويسألونك الجنة فيقول وهل رأوها فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوها فتقول الملائكة لو رأوها لكانوا أشد لها طالبا وذكر الحديث ومعلوم أن محبة من ذاق الشيء الملائم وعدم صبره عنه أقوى من محبة من لم يذقه بل نفسه مفطومة عنه والمودة التي بين الزوجين والمحبة بعد الجماع أعظم من التي كانت قبله والسبب الطبيعي أن شهوة القلب ممتزجة بلذة العين فإذا رأت العين اشتهى القلب فإذا باشر الجسم الجسم اجتمع شهوة القلب ولذة العين ولذة المباشرة فإذا فارق هذه الحال كان نزاع نفسه إليها أشد وشوقه إليها أعظم كما قيل
وأكثر ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار