تعالى:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}[الرحمن: ٣-٤] فلا شك أنه نعمة عظيمة من أجلّ النعم سيما إذا استطاع أن يعبر به عن حاجته:
فإنما المرء بأصغريه ... ليس بيديه ولا رجليه
وقال الآخر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
والحديث جعله بعضهم من باب المدح، فإذا كان كذلك فليس ذلك من السحر المذموم بل هو من السحر الحلال. ولكن أكثر العلماء على ذم البيان وذلك لأن كلمة السحر كلمة مذمومة في مراد الشرع.
ويظهر أن الحديث:"إن من البيان لسحراً" ذم لبعض البيان لا كله. لأنه قال:"إن من البيان" ولم يقل: "إن البيان" ويكون البيان مذموماً إذا أدّى إلى صرف عن الحق، أو إظهار للباطل في صورة الحق.
ومما يدل على أن الكلام البليغ يسمى سحراً ما ورد في كلام الوليد بن المغيرة لكفار قريش عندما جاء من عند النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال لهم: إن كلامه ليس كلام الكهان. {ثم فكر وقدر ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}[المدثر: ٢١-٢٤] فسمى كلامه سحراً لبلاغته.
ووجه كون البيان من السحر أن فيه قلباً للحقائق كما أن السحر فيه قلب للأحوال بإذن الله تعالى.