للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا "أخرجاه١.

ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم قبل موته بخمس وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم

..................................................................................................

اليهود والنصارى على هذا الفعل تحذيرا لأمته أن يفعلوا ما فعلته اليهود والنصارى، فيقع بهم من اللعنة ما وقع بهم. قوله: "ولولا ذلك " أي ما كان يحذر من اتخاذ قبر النبي صلي الله عليه وسلم مسجدا لأبرز قبره مع قبور أصحابه بالبقيع.

قوله: "غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا " روي بفتح الخاء وضمها، فعلى الفتح يكون هو الذي خشي صلي الله عليه وسلم وأمرهم أن يدفنوه في المكان الذي قبض فيه، وعلى رواية الضم يحتمل أن يكون الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض الأمة فلم يبرزوا قبره خشية أن يقع ذلك من بعض الأمة غلوا وتعظيما؛ لما أبدى وأعاد من النهي والتحذير ولعن فاعله. قال القرطبي: "ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلي الله عليه وسلم فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها وجعلوها محدقة بقبره صلي الله عليه وسلم، خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره" اهـ. "قلت " فبذلك صان الله قبره وقبل دعوته بقوله: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ٢.

قوله: "عن جندب بن عبد الله " أي ابن سفيان البجلي وينسب إلى جده، صحابي مشهور مات بعد الستين، قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: أما بناء المساجد على القبور


١ البخاري رقم (٤٣٥) في الصلاة: باب الصلاة في البيعة , ورقم (١٣٣٠) في الجنائز: باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور , ورقم (١٣٩٠) باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -, ورقم (٣٤٥٣) في أحاديث الأنبياء: باب ما ذكر عن بني اسرائيل , ورقم (٤٤٤١ و٤٤٤٣) في المغازي: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته , ورقم (٥٨١٥) في اللباس: باب الأكسية والخمائص، ومسلم رقم (٥٣١) في المساجد ومواضع الصلاة.
٢ مالك: النداء للصلاة (٤١٦) .

<<  <   >  >>