للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون علما إذا كان نافعا، وإنما يكون نافعا إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهل صرف.

"قلت ": وهؤلاء المتأخرون جهلوا معنى الإله، وقلبوا حقيقة المعنى إلى معنى توحيد الربوبية، وهو القدرة على الاختراع فأثبتوا ما نفته "لا إله إلا الله" من الشرك، وأنكروا ما أثبتته من إخلاص العبادة لله جهلا منهم، وقد قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} ١.

قال محيي الدين النووي: اعلم أن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد ضيع من أزمان متطاولة، ولم يبق في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح.

قوله: في هذه الأزمان يعني القرن الخامس والسادس، وإذا كان كذلك فما الظن بالقرن العاشر وما بعده، وقد استحكمت فيها الغربة، ولشيخنا محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الكلمة كلام بديع واضح لم يسبق إلى مثله، فليراجع لمسيس الحاجة إليه.

قوله في الحديث: "وحده لا شريك له " تأكيد لمعنى لا إله إلا الله الذي دلت عليه ووضعت له من باب اللف والنشر المقدم والمؤخر، وهو بيان لمعنى هذه الكلمة؛ لأنها دلت بجملتها على التوحيد، فلا إله تنفي الشرك في العبادة قليله وكثيره، وبينه بقوله: "لا شريك له" في إلهيته وهي العبادة.

وقوله: "وحده " هو معنى "إلا الله" فهو الإله الحق وحده دون كل ما سواه من أهل السماوات والأرض، كما دلت على ذلك الآيات المحكمات ومتواتر الأحاديث، فتدبر هذا البيان يطلعك على بطلان قول من يقول بجواز دعوة غير الله، والله تعالى يقول لنبيه: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} ٢ وغيرها من الآيات الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

فقوله: " وحده" تأكيد للإثبات.

وقوله: " لا شريك له " تأكيد للنفي.

وقوله: "وأن محمدا عبده ورسوله " أي وشهد أن محمدا عبده ورسوله، أي بصدق ويقين، وذلك يقتضي اتباعه وتعظيم أمره ونهيه ولزوم سنته صلي الله عليه وسلم، وأن لا تعارض بقول أحد؛ لأنه غيره صلي الله عليه وسلم يجوز عليه الخطأ، والنبي صلي الله عليه وسلم قد عصمه الله تعالى وأمرنا بطاعته والتأسي به، والوعيد على ترك طاعته بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ


١ سورة الزمر آية: ٢.
٢ سورة الشعراء آية: ٢١٣.

<<  <   >  >>