للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه. ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.

....................................................................................................

قتادة - رحمه الله - يدل على أن علم التنجيم هذا قد حدث في عصره فأوجب له إنكاره على من اعتقده وتعلق به، وهذا العلم مما ينافي التوحيد ويوقع في الشرك؛ لأنه ينسب الحوادث إلى غير من أحدثها وهو سبحانه بمشيئته وإرادته كما قال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} ١ وقال: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ٢. قوله: " خلق الله هذه النجوم لثلاث "قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} ٣. وفيه إشارة إلى أن النجوم في السماء الدنيا كما روى ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان "ثم رفعها"، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وزينها بمصابيح "النجوم"، وجعلها رجوما للشياطين، وحفظها من كل شيطان رجيم "٤ قوله: "وعلامات" أي دلالات على الجهات يهتدى بها أي يهتدي بها الناس في ذلك كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ٥ أي ليعرفوا بها جهة قصدهم، فإن قيل: المنجم قد يصدق، قيل: صدقه كصدق الكاهن يصدق في كلمة ويكذب في مائة، وصدقه ليس عن علم، بل قد يوافق قدرا فيكون فتنة في حق من صدقه.

قوله: "وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص فيه ابن عيينة، ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق". قال الخطابي: "أما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة، والخبر الذي يعرف به الزوال وتعلم به جهة القبلة، فإنه غير داخل فيما نهي عنه، وذلك أن معرفة هذا العلم يصح علمه بالمشاهدة. وأما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة فإنها من الكواكب، رصدها أهل الخبرة بها الذين لا شك في عنايتهم بأمر الدين ومعرفتهم بها وصدقهم فيما أخبروا به، مثل أن يشاهدها بحضرة الكعبة ويشاهدها على حال الغيبة عنها فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة، وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في معرفتهم" انتهى. وروى ابن المنذر عن مجاهد أنه لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل من النجوم


١ سورة فاطر آية: ٣.
٢ سورة النمل آية: ٦٥.
٣ سورة الملك آية: ٥.
٤ ذكره الحافظ السيوطي في "الدر المنثور ٩٥/٤ , ونسبه لابن مردويه فقط , ولم يتكلم عليه بشيء، وليس عندنا سنده لنحكم عليه.
٥ سورة الأنعام آية: ٩٧.

<<  <   >  >>