للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " من التمس رضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس "رواه ابن حبان في " صحيحه "١.

.....................................................................................................................

ذنبه، وقد قرر هذا المعنى في الحديث بقوله: " إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره ".

وقال شيخ الإسلام: اليقين يتضمن القيام بأمر الله تعالى وما وعد الله به أهل طاعته، ويتضمن اليقين بقدر الله وخلقه وتدبيره. فإذا أرضيتهم بسخط الله ولم تكن موقنا لا بوعده ولا برزقه فإنه إنما يحمل الإنسان على ذلك إما ميل إلى ما في أيديهم فيترك القيام فيهم بأمر الله لما يرجوه منهم. وإما ضعف تصديقه بما وعد الله أهل طاعته من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أرضيت الله نصرك ورزقك وكفاك مؤنتهم. وإرضاؤهم بما يسخطه، إنما يكون خوفا منهم ورجاء لهم وذلك من ضعف اليقين. وأما إذا لم يقدر لك ما تظن أنهم يفعلونه معك فالأمر في ذلك إلى الله لا لهم، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فإذا ذممتهم على ما لم يقدر لك كان ذلك من ضعف يقينك، فلا تخفهم ولا ترجهم ولا تذمهم من جهة نفسك وهواك، ولكن من حمده الله ورسوله منهم فهو المحمود، ومن ذمه الله ورسوله منهم فهو المذموم، ودل الحديث على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال من مسمى الإيمان.

قوله: "من التمس " أي طلب، قال شيخ الإسلام: "وكتبت عائشة إلى معاوية ويروى أنها رفعته: " من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا "هذا لفظ المرفوع، ولفظ الموقوف: " من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاما "وهذا من أعظم الفقه في الدين، فإن من أرضى الله بسخطهم كان قد اتقاه، وكان عبده الصالح، والله يتولى الصالحين، والله كاف عبده. {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} ٢ والله يكفيه مؤنة الناس بلا ريب، ومن أرضى الناس


١ رواه الترمذي رقم (٢٤١٦) في الزهد: باب رقم ٦٤، وأبو نعيم في الحلية٨/١٨٨، وابن حبان رقم (١٥٤١) و (١٥٤٢) "موارد" من حديث عائشة - رضي الله عنها -, وهوحديث صحيح كما قال الألباني في " صحيح الجامع" رقم (٥٨٨٦) و (٥٩٧٣) .
٢ سورة آية: ٢-٣.

<<  <   >  >>