للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحكم وإليه الحكم، فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال: ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟ قلت: شريح، ومسلم، وعبد الله. قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح. قال: فأنت أبو شريح "١ رواه أبو داود وغيره.

......................................................................................................

وقوله صلي الله عليه وسلم: " " إن الله هو الحكم وإليه الحكم " أي هو سبحانه الحكم في الدنيا والآخرة، يحكم بين خلقه في الدنيا بوحيه الذي أنزله على أنبيائه ورسله، وما من قضية إلا وله فيها حكم مما أنزله على نبيه من الكتاب والحكمة لكن قد يخفى على المجتهد، فإن المجتهدين وإن اختلفوا في بعض الأحكام فلا بد أن يكون المصيب فيهم واحدا، فمن رزقه الله قوة الفهم وأعطاه ملكة يقتدر بها على فهم الصواب من أقوال العلماء أدرك ما هو الصواب من ذلك.

وقوله: "إليه الحكم " في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ٢. وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ٣ الآية. فالحكم إلى الله هو الحكم إلى كتابه، والحكم إلى رسوله هو الحكم إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته.

قوله: "فقال: " إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين "" والمعنى - والله أعلم - أن أبا شريح كان مرضيا عندهم يتحرى ما يصلحهم إذا اختلفوا، فيرضون صلحه فسموه حكما، وأما ما يحكم به الجهلة من الأعراب ونحوهم من سوالف آبائهم وأهوائهم فليس من هذا الباب لما فيه من النهي الشديد والخروج عن حكم الله ورسوله إلى ما يخالفه، كما قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ٤، وهذا كثير فمن الناس من يحكم بين الخصمين برأيه وهواه، ومنهم من يتبع في ذلك سلفه ويحكم بما كانوا يحكمون به، وهذا كفر إذا استقر وغلب على من تصدى لذلك ممن يرجع الناس إليه إذا اختلفوا.


١ رواه أبو داود رقم (٤٩٥٥) في الأدب: باب في تغيير الاسم القبيح , والبخاري في " الأدب المفرد" (٨١١) ، والنسائي ٢٢٦/٨ في آداب القضاء: باب إذا حكموا رجلا فقضى بينهم , والبيهقي ١٠/١٤٥ , والحاكم ٤/ ٢٧٩ , وإسناده جيد. الإرواء رقم (٢٦١٥) .
٢ سورة الشورى آية: ١٠.
٣ سورة النساء آية: ٥٩.
٤ سورة المائدة آية: ٤٤.

<<  <   >  >>