للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي " الصحيح " عن أنس قال: " شج النبي صلي الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت

..................................................................................................

وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} ١إلى قوله- {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} ٢ ابتدأ تعالى هذه الآيات بقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} ٣ يخبر الخبير أن الملك له وحده والملوك وجميع الخلق تحت تصرفه وتدبيره، ولهذا قال: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} ٤ فإن من كانت هذه صفته فلا يجوز أن يرغب في طلب نفع أو دفع ضر إلى أحد سوى الله تعالى وتقدس، بل يجب إخلاص الدعاء له الذي هو من أعظم أنواع العبادة، وأخبر تعالى أن ما يدعوه أهل الشرك لا يملك شيئا وأنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو فرض أنهم يسمعون فلا يستجيبون لداعيهم، وأنهم يوم القيامة يكفرون بشركهم أي ينكرونه ويتبرءون ممن فعله معهم، فهذا الذي أخبر به الخبير {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} ٥ وأخبر أن ذلك الدعاء شرك به وأنه لا يغفره لمن لقيه به، فأهل الشرك ما صدقوا الخبير ولا أطاعوه فيما حكم به وشرع، بل قالوا: إن الميت يسمع، ومع سماعه ينفع، فتركوا الإسلام والإيمان رأسا كما ترى عليه الأكثرين من جهلة هذه الأمة.

قوله في الصحيح عن أنس قال: " شج النبي صلي الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ "٦ فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} ٧ الآية وفيه عن ابن عمر رضي الله عنه أنه " سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد "فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} ٨ الآية. وفي رواية: " يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام "فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} وأسلم هؤلاء وحسن إسلامهم.

قوله: "في الصحيح " أي الصحيحين علقه البخاري عن حميد عن ثابت عن أنس، ووصله أحمد والترمذي والشافعي عن حميد عن أنس، وقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} ٩، وقال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ١٠. والآيات في هذا المعنى كثيرة، والمقصود أن الذي له الأمر كله والملك كله لا يستحق غيره شيئا من العبادة، ولهذا المعنى قال لنبيه صلي الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ١١، فالذي ليس له من الأمر شيء هو وخيرة الله من خلقه ما زال يدعو الناس أن يخلصوا العبادة للذي له الأمر كله وهو الله تعالى، فهذا دينه صلي الله عليه وسلم الذي بعث به وأمر أن يبلغه أمته ويدعوهم إليه، كما تقدم في باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فإياك أن تتبع سبيلا غير سبيل المؤمنين الذي شرعه الله ورسوله لهم وخصهم به.


١ سورة آية: ١٣-١٤.
٢ سورة فاطِر آية: ١٤.
٣ سورة فاطر آية: ١٣.
٤ سورة فاطر آية: ١٣.
٥ سورة آل عمران آية: ٥.
٦ مسلم: الجهاد والسير (١٧٩١) , والترمذي: تفسير القرآن (٣٠٠٢ ,٣٠٠٣) , وابن ماجه: الفتن (٤٠٢٧) , وأحمد (٣/٩٩ ,٣/١٧٨ ,٣/٢٠١ ,٣/٢٠٦ ,٣/٢٥٣ ,٣/٢٨٨) .
٧ سورة آل عمران آية: ١٢٨.
٨ سورة آل عمران آية: ١٢٨.
٩ سورة آل عمران آية: ١٥٤.
١٠ سورة الأعراف آية: ٥٤.
١١ سورة القصص آية: ٥٦.

<<  <   >  >>