وسلم بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الإشراك، فحمى حمى التوحيد، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك حتى في الألفاظ حتى أن رجلاً قال له: ما شاء الله وشئت قال: "اجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده" فكيف يأمر بدعاء الميت أو الغائب؟ بل من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن داء الميت والغائب لم يأمر الله به ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة، ولا التابعين ولا فعله أحد من أئمة المسلمين، ولا أحد من الصحابة استغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موتهن ولا قال أحد: أن الصحابة استغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولو كان هذا جائزاً أو مشروعاً لفعلوه ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وقد كان عندهم من قبور أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالأمصار عدد كثير وهم متوافرون فما منهم من استغاث عند قبر صاحب ولا دعاه ولا استغاث به ولا استنصر به، ومعلوم ان مثل هذا مما توفر الهمم والدواعي على نقل ما هو دونه.
وحينئذ فلا يخلو: أما أن يكون دعاء الموتى والغائبين، أو الدعاء عند قبورهم والتوسل بأصحابها أفضل أو لا يكون؟ فان كان أفضل فكيف خفى علماً وعملاً على الصحابة والتابعين وتابعيهم فتكون القرون الثلاثة الفاضلة جاهلة علماً وعملاً بهذا الفضل العظيم، ويظفر به الخلوف علماً وعملاً، وهذان الحديثان اللذان أوردهما السائل أما أن يكون الصحابة الذين رووهما وسمعوهما من النبي صلى الله عليه وسلم جاهلين بمعناهما وعلمه هؤلاء المتأخرون، وأما أن يكون الصحابة علموها علماً، وزهدوا فيها عملاً مع حرصهم على الخير وطاعتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم وكلاهما محال بل هم أعلم الناس بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطوع الناس لأوامره وأحرص الناس على كل خير، وهم نقلوا إلينا سنة نبيناً صلى الله عليه وسلم فهل فهموا من هذه الأحاديث جواز دعاء الموتى والغائبين، والفضلاء فضلاً عن استحبابه والأمر به.
ومعلوم أنهم عرضت لهم شدائد واضطرارات وفتن وقحط وسنون مجدبات أفلا جاؤا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم شاكين وله مخاطبين وبكشفها عنهم وتفريج كرباتهم داعين؟ والمضطر يتشبث بكل سبب يعلم ان له فيه نفعاً، لا سيما الدعاء، فلو كان ذلك وسيلة مشروعة وعملاً صالحاً لفعلوه، فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل القبور حتى توفاه الله. وهذه سنة خلفائه الراشدين وهذه طريقة جميع الصحابة والتابعين هل يمكن أحد أن يأتي عنهم بنقل صحيح أو حسن أو ضعيف أنهم كانوا إذا كانت لهم حاجة أو عرضت لهم شدة قصدوا القبور فدعوا عندها وتمسحوا بها فضلاً عن أن يسألوها حوائجهم؟ فمن كان عنده في هذا أثر أو حرف واحد في ذلك فليوقفنا عليه.
نعم يمكنهم أن يأتوا عن الخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون بكثير من المختقات والحكايات المكذوبات، حتى لقد صنف في ذلك عدة مصنفات ليس فيها حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما فيها التمويهات، والحكايات والخنرعات والأحاديث المكذوبات كقولهم: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور، وحديث لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه، ومنها حكايات لهم عن تلك القبور أن فلاناً