استغاث بالقبر الفلاني في شدة فخلص منها، وفلان دعاه أو دعا به في حاجة فقضيت، وفلاناً نزل به ضر فأتى صاحب ذلك القبر فكشف ضره ونحو ذلك مما هو مضاد لما بعث الله بمحمداً صلى الله عليه وسلم من الدين.
ومن له معرفة بما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم أنه حمى جانب التوحيد وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك فكيف يستدل بكلامه على نقيض ما أمر به فيستدل في حديث الأعمى بقوله يا محمد على أنه أمر بدعائه في حال غيبته فيدل على جواز الاستغاثة بالغائب وكذلك قوله:"يا عباد الله احبسوا" يدل على ذلك أيضاً هذا من أعظم المحال وأبطل الباطل، بل كلامه صلى الله عليه وسلم يوافق الوحي عليه يصدقه ولا يكذبه فإنهما من مشكاة واحدة {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ونحن نجيب عن هذين الحديثين بعون الله وتأكيده من وجوه.
الوجه الأول: أن القرآن الكريم فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فيرد المتشابه إلى المحكم ولا يضرب كتاب الله بعضه ببعض، وكذلك السنة: فيها محكم ومتشابه فيرد متشابهها إلى المحكم ولا يضرب بعضها ببعض، فكلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يتناقض بل يصدق بعضه بعضاً، والسنة توافق القرآن ولا تناقضهن وهذا أصل عظيم يجب مراعاته من أهمله فقد وقع في أمر عظيم وهو لا يدري، من المعلوم أن أدلة القرآن الدالة على النهي عن دعاء غير الله متظاهرة مع وضوحها وبيانها كقوله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} وقوله: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} وقوله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} إلى غير ذلك من الآيات الواضحات البينات.
فمن أعرض عن هذا كله وتعامى عنه وأعرض عن الأحاديث الصحيحة الدالة على تحقيق التوحيد وأبطال الشرك وسد ذرائعه وتعلق بحديث ضعيف بل ذكر بعض العلماء أنه حديث منكر وهو قوله:"إذا انفلتت دابة أحدكم فلينادي عباد الله احبسوا" ومثل حديث الأعمى الذي فيه يامحمد وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يسأله في حال غيبته لم يكن هذا إلا من زيغ في قلبه قد تناوله قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} وقوله: صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".
الوجه الثاني: أن يقول لمن استدل بالحديثين على دعاء غير الله أتظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أمته بالشرك وقد نهى عنه وقد جرد التوحيد لله ونهى عن دعوة غير الله؟ وقال:"إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله". فكيف يجتمع في قلبك أن الله بعثه يأمر بالتوحيد، ويحذر من الإشراك ثم يأمر أمته بعين ما حذرهم عنه فمن زعم أن قوله:"يا عباد الله احبسوا" يدل على جواز دعاء الغائب بالنص، وعلى دعاء الميت بالقياس على الغائب، وكذلك حديث الأعمى فمن زعم هذا