للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمداً صلى الله عليه وسلم بل هذا من جنس استغاثته برفقته من الإنس، فإذا انفلتت دابته ونادى رفقته يا فلان ردوا الدابة لم يكن في هذا بأس، فهذا الذي ورد في الحديث من جنس هذا بل قد يكون قربة إذا قصد به امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فأين هذا من استغاثة العبادة؟ بأن ينادي ميتاً، أو غائباً في قطر شاسع سواء كان نبياً أو عبداً صالحاً.

الوجه السادس: ان الله تعالى قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} فبعد أن أكمله بفضله ورحمته فلا يحل له أن يخترع فيه ما ليس منه، ونقيس عليه ما لا يقاس عليه، بل الواجب اتباع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: كما أمر به فإذا نادى شخصاً معيناً باسمه فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونادى من لم يؤمر بندائه، وليس ذلك في كل حركة وسكون وقيام وقعود وإنما ذلك في أمر مخصوص.

وأما حديث الأعمى فالجواب عنه من وجوه:

الوجه الأول: أن الحديث إذا شذ عن قواعد الشرع لا يعمل به فانهم قالوا: أن حد الحديث الصحيح إذا رواه العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة، فهذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به في هذا الباب، لمخالفته لقواعد الشرع وأصوله، بل من احتج به على دعاء الميت والغائب فقد خالف نصوص الكتاب والسنة مع أنه بحمد الله يواقف ذلك ولا يخالفه، فليس فيه دليل على ما ذكره السائل كما سننبه عليه أن شاء الله تعالى وكيف يستدل بما ليس فيه دلالة مطابقة ولا تضمن ولا التزام!.

الوجه الثاني: أن يقال: هذا الحديث قد رواه النسائي في اليوم والليلة والبهيقي وابن شاهين في دلائلهما عندهم عن عثمان بن حنيف، ولم يذكروا فيه هذه اللفظة أعني قوله يا محمد ولفظ الحديث عندهم عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا نبي الله قد أصبت في بصري فادع الله لي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "توضأ وصل ركعتين ثم قل: اللهم اني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة"أي أتشفع به إليك "في رد بصري اللهم شفع نبيي في" ففعل ذلك فرد الله عليه بصره" وقال له: "إذا كانت لك حاجة فبمثل ذلك فافعل" انتهى.

فهذا الحديث بهذا اللفظ لا حجة للمبطل فيه، لأن غايته أنه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وساقه الترمذي بسياق قريب من هذا فقال: حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ادع الله أن يعافيني قال "أن شئت دعوت وان شئت صبرت فهو خير لك" قال: فادعه فأمره أن يتوضأ ويحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء "اللهم أني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة أني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي اللهم فشفعه في " هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي جعفر وهو غير الخطاء انتهى.

<<  <   >  >>