للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا لفظه بحروفه وفي نسخة أخرى إني توجهت إلى ربي، وليست هذه اللفظة في سياق هؤلاء الأئمة أعني قوله: يا محمد التي غاية ما يتعلق به المبطلون.

الوجه الثالث: أن يقال: على تقدير صحة هذه اللفظة فليس فيها ما يدل على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولو كان فيها ما يدل على ذلك لفعله الصحابة رضي الله عنهم، فلما ثبت أن الصحابة لم يفعلوه، بل ولا أجازوه علمنا أنه ليس في ذلك دليلاً فبقي أن يقال ما معناه؟ فنقول ذكر العلماء في معناه قولين أحدهما انه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيدل على جواز التوسل به صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مما بعد مماته إلا أن التوسل ليس فيه دعاء له، ولا استغاثة به وإنما سأل الله بجاهه وهذا ذكره الفقيه أبو محمد بن عبد السلام، فإنه أفتى بأنه لا يجوز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأما التوسل به صلى الله عليه وسلم فيجوز إن صح الحديث فيه يعني حديث الأعمى.

قال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى: أم التوسل إلى الله بغير نبينا صلى الله عليه وسلم فلم نعلم أحداً من السلف فعله، ولا روى فيه أثراً ولا نعلم فيه، إلا ما أفتى ابن عبد السلام من المنع، وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ففيه حديث في السنن وهو حديث الأعمى الذي أصيب بصره، فلأجل هذا الحديث استثنى الشيخ التوسل به، وللناس في معنى هذا الحديث قولان: أحدهما أن هذا التوسل هو الذي ذكره عمر رضي الله عنه لما استقى بالعباس فذكر أنهم يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ثم توسلوا بعم العباس بعد موته، وتوسلهم به استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى، وهذا لم يفعله الصحابة بعد موته، ولا في مغيبه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعاً لهم داعياً، ولهذا قال: في حديث الأعمى اللهم فشفعه في فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع له فسأل الله أن يشفعه فيه.

والثاني: أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون في حياته وبعد وفاته انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى، فتبين بهذا أن معناه التوسل إلى الله بدعائه وشفاعته في حضوره أم التوسل بذاته أن يسأل الله بجاهه والتوسل غير الاستغاثة فإنه لم يقل أحد: أن من قال: اللهم إني أسألك بحق فلان أنه استغاث به بل إنما استغاث بمن دعاه بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور كقول أحدهم: أتوسل إليك بحق الشيخ فلان أو بحرمته أو نحو ذلك مما يقولونه في أدعيتهم يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور، فإن المستغيث بالشيء طالب منه سائل له والمتوسل به لا يدعي، ولا يسأل ولا يطلب منه، وإنما يطلب به، وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به، والاستغاثة هي طلب الغوث، وهو إزالة الشدة كالاستنصار طلب النصر، والاستعانة طلب العون، فكل أحد يفرق بين المسؤول والمسئول به.

فالحديث على هذا المعنى الذي ذهب إليه ابن عبد السلام لا حجة فيه لمن جاوز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فإن هذا لم يفهمه أحد من العلماء من الحديث، ولم يذكروا في معناه إلا هذين القولين الذين ذكرناهما أحدهما: ما ذهب

<<  <   >  >>