السلطان الظاهر أمر باستفتاء العلماء في زمانه في هدم ما بها من البناء فاتفقوا على لسان واحد يجب على ولي الأمر هدمه وأن يكلف أصحابه رمي ترابها في الكمارة، ولم يختلف في ذلك أحد منهم، ثم إن الظاهر سافر إلى الشام فلم يرجع انتهى، قال بعض ولم أحداً من المالكية أباح البناء حول القبور في مقابر المسلمين سواء كان الميت صالحاً، أو عالماً أو شريفاً أو سلطاناً أو غير ذلك.
وفي جواب ابن رشد عن سؤال القاضي له عن ذلك أما ما بني في مقبرة المسلمين ووقف، فإن وقفه باطل وأنقاضه باقية على ملك ربها إن كان حياً أو كان له ورثة، ويؤمر هو ووارثه بنقلها عن مقابر المسلمين، وإن لم يكن له وارث استأجر القاضي على نقلها منها وصرف الباقي في مصاريف بيت المال، ولا يؤخذ جواز البناء على القبور من قول الحاكم في مستدركه عقب مصاريف بيت المال، ولا يؤخذ جواز البناء على القبور عليه ليس العمل عليها فإن أئمة المسلمين شرقاً وغرباً مكتوب على قبورهم، وأخذه الخلف عن السلف فيكون إجماعاً مستنداً إلى حديث آخر كخبر "لا تجتمع أمتي على ضلالة" ولا من وقل ابن قداح في مسائله: لا يجوز البناء على القبر وهل يكتب عليه أولا؟ لم يرد في ذلك عن السلف الصالح شيء ولكن إن وقع وعمل على قبر رجل من أهل الخير فخفيف لأن كلام الحاكم وابن قداح خاص بالكتابة لا يتعداها إلى البناء.
وقال ابن رشد كره مالك البناء على القبر وجعل البلاطة المكتوبة وهي من بدع أهل الطول وأحدثوه إرادة الفخر والمباهاة والسمعة وهو مما لا اختلاف فيه , انتهى.
فتأمل كلام الحنفية في ذكر كراهة البناء على القبور والمراد بالكراهة كراهة التحريم التي هي مقابلة ترك الواجب، وقد ذكروا من قواعدهم أن الكراهة حيث أطلقت فالمراد منها التحريم، وممن نبه على ذلك ابن نجيم في البحر وغيره حيث قال كلام السهنوري رحمه الله.
وأما كلام الحنفية فقال الزيلعي في شرحه: على الكنز عند قول الماتن ويسنم القبر ولا يربع ولا يجصص، لما روى البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنماً، وقال إبراهيم النخعي: أخبرني بعض من رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر مسنمة، وسنم محمد بن الحنفية قبر ابن عباس، ويسنم قدر شبر وقيل أربعة أصابع، ولا بأس برش الماء عليه حفاظاً لترابه عن الاندراس. وعن أبي يوسف أنه كرهه لأنه يجري مجرى التطيين، ويكره أن يبني على القبر، وفي الخلاصة ولا يجصص القبر ولا يطين، ولا يرفع عليه بناء، وذكر أيضاً قاضي خان في فتاويه أنه لا يجصص القبر ولا يبنى عليه لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التجصيص والتقصيص وعن البناء فوق القبر قالوا أراد بالبناء السفط الذي يجعل في ديارنا، وقال ابن الهمام في فتح القدير قال أبو حنيفة حدثنا شيخ لنا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تربيع القبور وتجصيصها، وروى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن حماد ابن أبي سليمان