للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن إبراهيم قال أخبرني من رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر فانتزه من الأرض وعليها فلق أبيض من مدر.

فتأمل كلام الحنفية في ذكر كراهة البناء على القبور والمراد بالكراهة كراهة التحريم التي هي في مقابلة ترك الواجب، وقد ذكروا من قواعدهم أن الكراهة حيث أطلقت فالمراد منها التحريم، ومن نبه على ذلك ابن نجيم في البحر وغيره حيث قال وأفاد صحة إطلاق الحرمة على المكروه تحريماً، وتأمل كلام الزيلعي وما ذكره من الخلاف بين الأصحاب هل يسنم قدر شبر أو قدر أربع أصابع وذكر عن أبي يوسف أنه كره رش القبر بالماء لأنه يجري مجرى التطيين، وهل هذا منهم رحمهم الله إلا اتباع ما عليه السلف الصالح؟ من ترك تعظيم القبور التي هي من أعظم الوسائل إلى الشرك.

فتأمل رحمك الله كلام العلماء من أهل المذاهب الذين نقلنا عنهم، والموجود في كلام غيرهم يوافق ذلك ولا يخالفه، وكلامهم صريح في النهي عن البناء على القبور، لكن هل هو تحريم أو تنزيه اختلفوا في ذلك فبعضهم قال: هو حرام مطلقاً إتباعاً للنص ولم يفرق بين ملكه وغيره، وبعضهم صرح بالنهي مطلقاً، وجعل التحريم في البناء في المقبرة المسبلة، والقول بتحريمه في المسبلة هو قول الأئمة الأربعة وهذا صريح في إبطال ما ذكره القائل أن العلماء لم ينكروا ذلك فإذا كانوا مصرحين بالنهي عن ذلك في كتب أصحاب الأئمة الأربعة. فكيف يقال: لم ينهوا عن ذلك بل أقروهم وقد صرحوا بتحريمه، وجوب هدمه إذا بنى في مقابر المسلمين، ومع هذا فقد ضيقت المقابر بالقباب في كل مصر من الأمصار مع وجود النهي والإنكار، فظهر لك بهذا وتبين أنه ليس بناء هذه القباب وتعظيمها، وإسراجها بأمر من العلماء، ولا رضى منهم بذلك، بل هو بأمر الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وشربوا الخمر والمسكرات وأعرضوا عن سماع الآيات، وأقبلوا على سماع الأبيات، فهل يقول أحد: أن هؤلاء الذين تركوا المأمور وارتكبوا كل محظور قد أقرهم العلماء على ذلك ورضوا به ولم ينكروه.

وهذا القائل الذي زعم أن بناء القباب جائز لأن العلماء لم ينكروه يقال له: هل وجد في زمانهم من ترك الصلاة ولا يؤدي الزكاة ويشرب الخمور ويجاهر بالفجور؟ فإن قال: لم يوجد فهذا مكابرة كمن ينكر الشمس بالهاجرة وإن قال: بل وجدت في سائر الأقطار وكثر في جميع الأعصار والأمصار، فيقال: هل أجازه العلماء ورضوا به، فإن كان وجود القباب يدل على رضاهم بها فهذا مثله، وكيف يقال: إن العلماء بذلك راضون وله فاعلون؟ وهذه كتبهم مشحونة بالنهي عن ذلك وتحريمه ويوجبون هدمه في المقابر المسبلة.

وهذه المقابر المسبلة بالقباب في الحرمين ومصر والشام والعراق وبلاد

<<  <   >  >>