صنفها المتأخرون {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ، بل صرح بعضهم في مصنفاته بأنه يجب على العامي أن يتمذهب بمذهب يأخذ بعزائمه ورخصه، وان خالف نص الكتاب أو السنة وهذا من أعظم حيل الشيطان، وحبائله التي صاد بها كثيراً ممن ينتسب إلى العلم والدين فنبذوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وأقبلوا على الكتب التي صنفها متأخروهم. وقالوا هم أعلم به، ثم لم يكتفوا بها، ولم يعملوا بما فيها بل أن وافق ما فيها أهواءهم قبلوه وعملوا به، وقالوا نص عليه في الكتاب الفلاني، وان خالف ما فيها أهواءهم لم يعبأوا بها، ولم يحتجوا بها بل ربما جعلوا حجتهم ما فعله اخوان الشياطين من الرعايا والسلاطين الذين بنوا القباب على القبور وارتكبوا كل محظور فزخرفوا القبور بالبناء وكسوها كما يكسى البيت الحرام وفعلوا عندها ما يفعله عباد الأصنام حتى آل الأمر إلى أن صار فعلهم هذا حجة تعارض بها النصوص، فيقول قائلهم هذا موجود في كل عصر ومصر من غير نكير فيكون اجماعاً هذا مع علمه بما نص عليه الفقهاء من النهي عن ذلك، وتحريمه خصوصاً البناء في المقابر المسبلة فانهم اتفقوا على تحريم البناء فيها.
ثم لا يخفى ما في الحرمين الشريفين من القباب المبنية في المعلاة والبقيع ومقابر مصر كالقرافة وغيرها، ومقابر الشام وغيرها فهلا أنكر المتأخرون ما نهى عنه علماؤهم وحرموه، بل أعرضوا عن ذلك كأنهم لم يسمعوه، بل أعرضوا عن كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وغلبت عليهم العادة التي نشئوا عليها ووجدوا أهلهم عليها، واحتجوا بالحجة القرشية {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} والحجة الفرعونية {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} وقبلهم ابراهيم لما قال لهم عليه السلام: {أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} .
والمشركون في هذا الزمان يسلكون سبيلهم خذو القذة بالقذة لما أنكرنا عليهم الشرك بالله وتعظيم القبور، والبناء عليها، واسراجها ودعاءها، والدعاء عندها ولم يكن لهم حجة يحتجون بها إلا هذه الحجج التي حكى الله عن المشركين من قريش ومن قبلهم، فيقولون هذا قد وجد من ستمائة سنة فلم ينكر هذا عمل الناس في القديم والحديث هذا فلان قد نص على هذا في منسكه هذا صاحب البردة قد ذكره في بردته هذا فلان حضره فلم ينكره، وهذه الشبهة هي التي ملأت قلوبهم وأخذت أسماعهم وأبصارهم فلم يلتفتوا إلى غيرها، فإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيتهم يصدون وهم مستكبرون.
وغاية ما يحتج به أحدهم إذا قيل له انزل والجىء إلى المحاجة والمناظرة أن يقول القرآن لا يفسره إلا الصحابة كان ابن عباس لا يفسره إلا في الصحراء مخافة أن ينزل عليه العذاب، فإذا قيل له بيننا وبينكم تفاسير السلف كابن عباس قال لسنا أهلاً لذلك، بل فرضنا التقليد ومشائخنا أعلم منا بكتاب الله، فلو كان هذا شركاً لما ذكروه في مناسكهم وأشعارهم ثم ينشد من الأشعار ما تقشعر منه الجلود لما فيها من الشرك