بالواحد المعبود، ويقول هذا كلام العالم الفلاني في قصيدته وشرحها فلان وفلان وتداولها العلماء فلم ينكروا ذلك.
وهذه الشبهة هي التي قامت بقلوبهم وتوارثوها عن آبائهم فهم لا يصغون إلا إليها ولا يعولون إلا عليها كأنهم لم يسمعوا بكتاب منزل ولا نبي مرسل، فلما فضحهم الله، وهتك أستارهم بها أقيم عليهم من أدلة الكتاب والسنة على ابطال الشرك، وكفر من فعله وإباحة دمه وماله، وأقيم عليهم من الأدلة ما لا يقدرون على دفعه لم يكن لهم حيلة إلا الجحود والإنكار، وقالوا نعم هذا الشرك بالله، ونشهد أنه باطل ولكن هذه القباب التي على القبور لا يقصدها إلا العوام والجهلة الطغام.
فإذا قيل أفلا تنهون العوام عما يفعلونه من الإشراك، وتهدمون هذه البنايا التي على القبور قالوا هذا أمر الملوك فبسبب هذه الأمور غلب الشرك على أكثر النفوس لغلبة الجهل وقلة العلم حتى صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الهدى كلاماً حسناً يناسب ذكره في هذا الموضوع قال رحمه الله: لما ذكر غزوة الطائف وذكر فوائد القصة قال: ومنها أنه لا يجوز ابقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً فانها شعائر الكفر والشرك وهي من أعظم المنكرات، فلا يجوز الاقرار عليها بعد القدرة البتة، وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثاناً، وطواغيت تعبد من دون الله تعالى، والاحجار التي تقصد بالتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل، فلا يجوز ابقاء شيء منها على وجه الارض مع القدرة على ازالتها وكثير منها بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الاخرى وأعظم شركاً عندها وبها والله المستعان.
فلم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق، وترزق وتميت، وتحيي، وانما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله اخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم خذو القذة بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم، فصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الاعلام واشتدت غربة الاسلام، وقل العلماء وغلبت السفهاء، وتفاقم الامر واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين ولأهل الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين انتهى كلامه.