أن انحر إبلا ببوابة فقال:" أبها وثن من أوثان المشركين أو عيد من أعيادهم"؟ قال لا قال:"فأوف بنذرك" وكقوله: " لا تجعلوا قبري عيداً" فالعيد مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فاذا كان اسماً للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه، واتيانه للعبادة ولغيرها، كما ان المسجد الحرام ومنى ومزدلفة، وعرفة والمشاعر جعلها الله عيداً للحنفاء كما جعل أيام التعبيد فيها عيداً فاتيان القبور في يوم معلوم من شهر معلوم والاجتماع لذلك بدعة لم يشرعها رسول الله، ولم يفعلها الصحابة، ولا التابعون لهم باحسان سواء كان ذلك في البلد أو خارجا عنه.
وأما قوله: يؤتي إليه من النواحي.
فنقول: وهذا أيضاً بدعة مزعومة لم يفعلها الصحابة ولا التابعون لهم بإحسان، وبين ذلك أن زيارة القبور نوعان: زيارة شرعية، وزيارة بدعية شركية فالزيارة الشرعية مقصودها ثلاثة أشياء: أحدهما تذكير الآخرة، والاتعاظ والاعتبار، والثاني: الإحسان إلى الميت وأن لا يطول عهده به فيهجره ويتناساه، فإذا زاره وأهدى إليه هدية، من دعاء أو صدقة سر الميت بذلك كما يسر الحي من يزوره ويهدي له، ولهذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم للزائرين أن يدعوا لأهل القبور بالمغفرة، والرحمة لوم يشرع أن يدعوهم، ولا يدعوا بهم، ولا يصلي عندهم، والثالث: إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة والوقوف عند ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم فيحسن إلى نفسه وإلى المزور.
وأما الزيارة البدعية الشركية: فأصلها مأخوذ من عبادة الأصنام، وهو أن يقصد قبر صالح في الصلاة عنده أو الدعاء عنده به أو طلب الحوائج منه، والاستغاثة به ونحو ذلك من البدعة التي لم يشعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلها أحد من الصحابة، ولا التابعين لهم بإحسان كما تقدم بيانه مبسوطاً.
ثم أعلم أن الشرعية هي التي لا تشد الرحال فإن كانت بشد رحل فهي زيارة بدعية لم يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلها الصحابة، بل قد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال:"لا تشد الرحال إلا ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد المسجد الأقصى ومسجدي هذا" وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به، فلو نذر رجل أن يصلي في المسجد ويعتكف فيه أو يسافر إليه لم يجب عليه في ذلك باتفاق الأئمة، حتى نص بعض العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قبا لأنه ليس من الثلاثة مع أن مسجد قبا تستحب زيارته لمن كان بالمدينة لأن ذلك ليس بشد رحل كما في الصحيح "من تطهر في بيته ثم أتى قبا لا يريد إلا الصلاة فيه كان كعمرة".
قالوا: ولأن السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين لم يفعلها أحد من الصحابة التابعين، ولا أمر بها رسول صلى الله عليه وسلم، ولا استحسنها أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة، وإنما اختلف العلماء اتباع الأئمة في الجواز بعد اتفاقهم على أنه ليس مشروعاً ولا مستحباً فالمتقدمون منهم قالوا: