لا يجوز السفر اليها ولا تقصر الصلاة في هذا السفر لأنه معصية وهذا قول: أبى عبد الله بن بطه وأبى الوفاء بن عقيل وطوائف كثيرة، وذهب طائفة من المتأخرين أصحاب أحمد والشافعي إلى جواز السفر إليها كأبي حامد الغزالي وابن عبدوس وأبي محمد المقدسي وأجابوا عن حديث "لا تشد الرحال" بأنه لنفي الاستحباب والفضيلة ورد عليهم الجمهور من وجهين:
أحدهما: أن هذا تسليم منهم أن هذا السفر ليس بعمل صالح ولا قرية ولا طاعة، ومن اعتقد أن السفر لزيارة القبور قربة وطاعة فقد خالف الإجماع وإذا سافر لاعتقاده أنه طاعة فإن ذلك محرم بإجماع المسلمين فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة، ومعلوم أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك، وأما إذا قصد بشد الرحل غرضاً من الأغراض المباحة فهذا جائز.
الوجه الثاني: أن النفي يقضي النهي والنهي يقتضي التحريم، والأحاديث التي تذكر في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح ولا حسن، ولا روى أهل السنن المعروفة كسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والترمذي في ذلك شيئاً، بل ولا أهل المسانيد المعروفة كمسند أحمد، وأبي داود الطيالسي وعبد بن حميد وغيرهم، ولا أهل المصنفات المعروفة كموطأ مالك وغيره، بل لما سئل الإمام أحمد وغيره وهو أعلم الناس في زمانه بالسنة عن هذه المسألة لم يكن عنده ما يعتمد عليه إلا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما من رجل يسلم علي إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام" وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه، وكذلك مالك في الموطأ روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبة ثم ينصرف.
واتفقت الأمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يستقبل قبره، وتنازعوا عند السلام عليه، فقال مالك وأحمد وغيرهما: يستقبل قبره ويسلم عليه، وهو الذي ذكره أصحاب الشافعي وأظنه منصوصاً عنه، قال أبو حنيفة: يستقبل القبلة ويسلم عليه هكذا في كتب أصحابه، وقال مالك لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو، ولكن يسلم ويمضي ومن رخص منهم في الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم فإنه إنما يرخص فيما إذا سلم عليه ثم أراد الدعاء أن يدعوا مستقبل القبلة، أما مستدبر القبر، وأما منحرفاً عنه، وهو أن يستقبل القبلة ويدعو ولا يدعو مستقبل القبر، وهكذا المنقول عن سائر الأئمة، ليس فيهم من استحب للمرء أن يستقبل القبر أعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره؟
ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الصحابة والتابعين مشهد يقصد بالزيارة لا في الحجاز، ولا في الشام، ولا اليمن ولا العراق، ولا خرسان ولا مصر، بعدما فتح الله هذه البلاد وصارت بلاد إسلام، وإنما حدث فيها بعد