انقراض عصر السلف، فصار يوجد في كلام بعض الناس فلان ترجى الإجابة عند قبره وفلان يدعي عند قبره، وبعضهم يقول قبر فلان الترياق، المجرب ونحو ذلك، مما لم يكن معروفاً في عهد الصحابة والتابعين، وقائل هذا أحسن أحواله أن يكون مجتهداً في هذه المسألة أو مقلداً فيعفو الله عنه، أما أن هذا الذي قاله يقتضي استحباب ذلك فلا، بل يقال هذه زلة فلا يجوز تقليده فيها إذا عرف أنها زلة لأنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر من العارف وكلاهما مفرط فيما أمر به وقال الشعبي قال عمر رضي الله عنه يفسد الزمان ثلاثة أئمة مضلون وجدال المنافق بالقرآن والقرآن حق وزلة العالم وقال معاذ رضي الله عنه احذروا زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول الضلالة على لسان الحكيم وقد يقول المنافق كلمة الحق، وقال اجتبوا من كلام الحكيم المشتبهات التي يقال ما هذه ولا يثنيك ذلك عنه فإنه لعله يراجع وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق نوراً.
واعلم رحمك الله أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفرة والزلة وهو فيها معذور بل مأجور لاجتهاد، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن يهدر مكانه وإمامته منزلته من قلوب المسلمين، قال مجاهد والحكم ومالك وغيرهما: ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم وقال سليمان التيمي: إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله، وقدر روى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة: قال وما هي يا رسول الله قال "أخاف عليهم من زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن والقرآن حق وعلى الحق منار كأعلام الطريق".
ويكفي اللبيب في هذا ما قصه الله في كتابه عن بني إسرائيل مع صلاحهم، وعلمهم أنهم بعدما فلق لهم البحر، وأنجاهم من عدوهم أتوا نبيهم صلى الله عليه وسلم قائلين اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، وكذلك ما رواه الترمذي وغيره أن أناساً من الصحابة في غزوة حنين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم حين مروا بسدرة للمشركين يعكفون عندها وينوطون بها يقال لها ذات أنواط فقالوا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لتركبن سنن من كان قبلكم".
فإذا كان قد خفي عليهم مع صلاحهم ووضوحه وبيانه وقبلهم قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم وقد اختارهم الله على عالمي زمانهم وخفي عليهم هذا وقالوا: يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة فهذا يفيد أن المسلم، بل العالم قد يقع في أشياء من الشرك، وهو لا يدري فيفيد الحرص بذل الجهد في البحث عما جاء عن الله ورسوله، ولا يقلد دينه الرجال فإنهم لن يسلموا أن يغلطوا وأبى الله أن يصح إلا كتابه وأن يعصم إلا رسوله صلى الله عليه وسلم.