للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالوا الإمام الفلاني أعلم منا بهذا الحديث {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} .

فكل أهل مذهب اعتمدوا على كتب متأخريهم فلا يرجعون إلا إليها ولا يعتمدون إلا عليها. وأما كتب الحديث كالأمهات الست وغيرها من كتب الحديث وشروحها وكتب الفقه الكبار التي يذكر فيها خلاف الأئمة وأقوال الصحابة والتابعين فهي عندهم مهجورة، بل هي في الخزانة مسطورة، للتبرك بها لا للعمل. ويعتذرون بأنهم قاصرون عن معرفتها. فالأخذ بها وظيفة المجتهدين، والاجتهاد قد انطوى بساطه من أزمنة متطاولة، ولم يبقى إلا التقليد، والمقلد يأخذ بقول إمامه ولا ينظر إلى دليله وتعليله، ولم يميزوا بين المجتهد المطلق الذي قد اجتمعت فيه شروط الاجتهاد فهو يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد، وبين المجتهد في مذهب إمامه أو في مذهب الأئمة الأربعة من غير خروج عنها، فهو ملتزم لمذهب إمام من الأئمة وينظر في كتب الخلاف ويمعن النظر في الأدلة فإذا رأى الدليل بخلاف مذهبه قلد الإمام الذي قد أخذ بالدليل فهو اجتهاد مشوب بالتقليد، فينظر إلى ما اتفقوا عليه ويأخذ به، فإن اختلفوا نظر في الأدلة فإن وجد مع أحدهم دليلاً أخذ بقوله، فإن لم يجد في المسألة دليلاً من الجانبين أخذ بما عليه الجمهور، فإن لم يجد ذلك بل قوي الخلاف عنده من الجانبين التزم قول إمامه إذا لم يترجح عنده خلافه. فأكثر المقلدين لا يميزون بين المجتهد المستقل من غيره وجعلوهما نوعاً واحداً، وهذا غلط واضح فإن من كان قاصراً في العلم لا يستقل بأخذ الأحكام من الأدلة بل يسأل أهل العلم كما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية ابنه عبد الله وقد ذكرناه فيما تقدم.

وأما الاجتهاد المقيد بمذاهب الأئمة وتوخي الحق بما دل عليه الدليل وبما عليه الجمهور فهذا الذي ينبغي العدول عنه وهو الذي ذكره صاحب الإفصاح. وأما لزوم التمذهب بمذهب بعينه بحيث لا يخرج عنه وإن خالف نص الكتاب أو السنة فهذا مذموم غير ممدوح وقد ذمه صاحب الإفصاح كما تقدم ذكره بل قد ذمه الأئمة رضي الله عنهم.

قال الشافعي رحمه الله: طالب العلم بلا حجة كحاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيها أفعى تلدغه وهو لا يدري. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يحل لأحد يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه. وقد صرح مالك أن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب. فكيف بمن ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول من هو دون إبراهيم أو مثله.

فقال جعفر الفريابي حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني الهيثم بن جميل (قال) قلت لمالك بن أنس يا أبا عبد الله إن عندنا قوماً وضعوا كتاباً يقول أحدهم حدثنا فلان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكذا وكذا وفلان عن إبراهيم بكذا، ويأخذ بقول إبراهيم، قال مالك وصح عندهم قول عمر؟ قلت إنما هي رواية كما صح عنده قول إبراهيم، فقال هؤلاء يستتابون.

<<  <   >  >>