للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اختلف العلماء في ذلك قديماً وحديثاً حتى ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الاعلام أن فيها خمسة عشر قولاً ثم سردها ثم قال وفي المسألة مذهب وراء هذا كله وهو أنه إذا وقع التحريم كان ظهاراً ولو نوى أنه طلاق وإن حلف به كان يميناً مكفرة قال وهذا اختيار شيخ الإسلام وعليه يدل النص والقياس وانتهى كلامه. وهذا هو الراجح عندي في هذه المسألة لأن أكثر الناس يقصدون بها الحلف على الحض والمنع فعلى هذا يكون من أيمان المسلمين التي فرض الله فيها الكفارة كما قال تعالى في أول سورة التحريم {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} بعد قوله {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} فدل على أن الحلف بالحرام من أيمان المسلمين المكفرة لكن هل تكون كفارته كفارة يمين أو مغلظة أو مخففه وممن قال يكفر كفارة ظهار ابن عباس في إحدى الروايات عنه وسعيد بن جبير وأبو قلابة ووهب بن منبه وعثمان البيتي وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد وحجة هذا القول أن الله جعل تشبيه المرأة بأمه المحرمة عليه إظهاراً وجعله منكر من القول وزوراً فالتشبيه بالمحرمة يجعله ظهاراً فإذا صرح بتحريمها كان أولى بالظهار قال ابن القيم رحمه الله تعالى وهذا أقيس الأقوال وأفقهها ويؤيده أن الله لم يجعل للمكلف التحليل والتحريم إنما ذلك إليه سبحانه وإنما جعل له مباشرة الأفعال والأقوال التي يترتب عليها التحليل والتحريم فالسبب إلى العبد وحكمه إلى الله فإذا قال أنت علي كظهر أمي أو قال أنت علي حرام فقد قال المنكر من القول والزور وكذب فإن الله لم يجعلها كظهر أمه ولا جعلها عليه حراماً فأوجب عليه هذا القول المنكر والزور أغلظ الكفارتين وهي كفارة الظهار انتهى.

وأما من قال إنه يمين يكفر بما تكفر به اليمين بكل حال وهو قول أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وزيد بن ثابت وابن مسعود وعبد الله بن عمر وجمع من التابعين فحجة هذا القول ظاهر القرآن فإن الله سبحانه فرض تحلة الأيمان عقب تحليل الحلال فلا بد أن يتناوله يقيناً فلا يجوز جعل تحلة الأيمان بغير المذكور ويخرج المذكور عن حكم التحلة التي قصد ذكرها لأجله والله سبحانه وتعالى أعلم.

(المسألة الثانية عشرة) لو قال عقاري هذا مسبل يفعل به فلان ما شاء أو أراد ومات فلان قبله والحال أن قصده من جهات بر معلومة كصوام أم مؤذن أو إمام ما الحكم فيه؟

(فالجواب) أن مثل هذا وقف صحيح وللواقف أن يعين الجهة أو يعين رجلاً غيره يجعله في أعمال البر هذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى قال في الإقناع وشرحه وإن قال وقفت كذا وسكت ولم يذكر مصرفه فالأظهر بطلانه والذي في الانصاف وفي الروضة لأن الوقف يقتضي التمليك فلا بد من ذكر المملك ولأن جهالة المصرف مبطلة فعدم ذكره أولى بالإبطال قال في الانصاف الوقف صحيح عند الأصحاب وقطعوا به قال في الرعاية على الصحيح عندنا فظاهره أن في الصحة خلافاً انتهى.

ومقتضاه أن صاحب الانصاف لم يطلع فيه على خلاف للأصحاب وكذا لم يحك

<<  <   >  >>