فنقول وبالله التوفيق إذا اقتتلت طائفتان لعصبيه أو رياسة ونحو ذلك فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى صرح بذلك في الشرح الكبير والانصاف والإقناع والشيخ تقي الدين في السياسة الشرعية قال في الانصاف بعد قوله "وتضمن كل واحدة ما أتلفته على الأخرى" وهذا بلا خلاف أعلمه: لكن قال الشيخ تقي الدين أن جهل قدر ما تهبه كل طائفة تساقطا كمن جهل الحرام من ماله أخرج نصفه والباقي له. وقال أيضاً أوجب الأصحاب الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف قال في الإقناع وشرحه فلو دخل بينهم بصلح وجهل قاتله ضمناه وإن علم قاتله من طائفة وجهل عينه ضمنته وحدها قال ابن عقيل ويفارق المقتول في زحام الجامع والطواف أن الزحام والطواف ليس فيه تعلا بخلاف الأول انتهى.
قال مالك في الموطأ في جماعة اقتتلوا فأنكشفوا وبينهم قتيل أو جريح لا يدري من فعل ذلك به إن أحسن ما سمعه في ذلك العقل وإن عقله على القوم الذين نازعوه وإن كان القتيل أو الجريح من غير الفريقين فعقله على الفريقين جميعاً انتهى. وقال في الشرح الكبير إذا اقتتلت الفئتان فتفرقوا عن قتيل من أحدهما فاللوث على عاقلة القتيل وهذا قول الشافعي وروي عن أحمد أن عقل القتيل على الذين نازعوهم فيما إذا اقتتلت الفئتان إلا أن يدعوا على واحد بعينه وهذا قول مالك وقال ابن أبي ليلى عقله على الفريقين جميعاً لأنه يحتمل أنه مات من فعل أصحابه فاستوى الجميع فيه وعن أحمد في قوم اقتتلوا فقتل بعضهم وجرح بعض فدية المقتولين على المجروحين تسقط منها دية الجراح انتهى.
وقال في الانصاف بعدما ذكر نص أحمد هذا: قال الإمام أحمد قضى به علي. وحمله على من ليس به جرح من دية القتلى شيء فيه وجهان قال ابن حامد قلت الصواب على أنهم يشاركونهم في الدية انتهى.
فهذا كلام الفقهاء فيما إذا جهل عين القاتل وأما إذا علم القاتل ففيه تعلق الحكم به فإن كان القتل عمداً فأولياؤه يخيرون إن شاءوا اقتصوا أو إن شاءوا أخذوا الدية فإن قبلوا الدية فهو من مال القاتل دون العاقلة ولا شيء على الطائفة التي هو منها إلا أن يكونوا قطاع الطريق لأنهم ردؤهم ومباشرهم سواء وكذا إن تواطؤا على قتله فقتله بعضهم وإعانة الأخرون كالممسك مع القاتل عند مالك وهو إحدى الروايتين عن أحمد فتكون الدية على المباشر والمعين لأنهم سواء عند الجمهور ذكره الشيخ تقي الدين.
(والمسألة الثانية) إذا ادعى على رجل أنه قتل رجلاً فأقر بالقتل ولكن ادعى أنه قتله خطأ فهل يقبل قوله أم لا؟ فنقول إذا لم يكن للمدعي بينة وعلم القتل وصار ثبوت القتل بإقرار المدعي عليه سئل المدعي عليه عن صفة القتل فإن كان عمد الفعل بما يقتل غالباً على تفصيل الفقهاء في أول كتاب الجنايات فهذا لا يقبل قوله في دعوى الخطأ لأنه أقر أنه ضربه بما يقتل غالباً وإن أنكر يكون تعمد الفعل بل زعم أنه خطأ