محض وفسره بذلك فالقول قوله ولا قصاص عليه لان من شرطه أن يكون القتل عمداً محضاً والأصل عدم ذلك وعلى هذا فتكون الدية في ماله دون عاقلته.
(والمسألة الثالثة) إذا اقتتلت طائفتان وادعت إحداهما بالتعدي من الأخرى وجاءوا بالشهود وادعى المشهود عليهم بأن الشهود من الطائفة المقاتلة لهم فهل ترد شهادتهم بذلك؟ فنقول ينظر في حال الشهود فان كانوا عدولا وادعوا أنهم لم يحضروا القتال ولم يدخلوا معهم وعلم صدقهم بقرائن الحال ترد شهادتهم بمجرد دعوى الخصوم لأن الخصم إذا جرح الشاهد العدل لا يقبل قوله فيه إلا ببينة. وأما إذا كان الشهود لا يعرفون بالعدالة أو كانت القرائن تدل على أنهم حاضرون معهم وأنهم من جملتهم لم يقبلوا ولم تسمع شهادتهم. ومن صور المسألة ما جرى بين الوداعين وأهل ميراث فان الوداعين زعموا أن معهم البينة على أنهم لم يبدؤ بقتال وانما قتلوا دفعاً على أنفسهم فلما سألنا عن شهودهم إذا هم من جملتهم الذين غزوا فقلنا لهم هؤلاء من جملتكم وعليهم من الدية بقدر نصبيهم منها ولا تقبل شهادتهم بأنهم يدفعون بها عن أنفسهم والمسألة واضحة في كلام العلماء لا تحتاج إلى نقل عبارات الفقهاء والله أعلم.
(والمسألة الرابعة) إذا أرضعت امرأة مطلقة ولدها ولم يجر بينهما وبين الأب مشارطة على الرضاع ولكنها نوت الرجوع عليه وأشهدت على أنها محتسبة عليه فهل لها ذلك أم لا يثبت لها أجرة إلا بالمشارطة بينهما وبين الأب؟ فنقول قد ذكر الفقهاء أن الأم أحق برضاع ولدها إذا طلبت ذلك بأجرة مثلها ولكن اختلفوا هل لها ذلك إذا كانت في حبال الزوج أم لا؟ وأما إذا كانت مطلقة فهي أحق برضاعه وأن طلبت أجرة مثلها ولو مع وجود متبرعة غيرها واستدل صاحب الشرح بقوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} فقدمهن على غيرهن وقال {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وأما الدليل على وجوب تقديم الأم إذا طلبت أجرة مثلها فما ذكرنا من الآيتين، ولأن الأم أحنى وأشفق ولبنها أمرأ من لبن غيرها فكانت أحق به من غيرها، كما لو طلبت الأجنبية إرضاعه بأجرة مثلها ولأن في إرضاع غيرها تفويتا لحق من الحضانة وإضراراً بالولد ولا يجوز تفويت حق الحضانة الواجب والإضرار بالولد لغرض إسقاط حق أوجبه الله على الأب انتهى.
فإذا عرفت أنها أحق بإرضاعه بأجرة المثل ولو وجد الأب متبرعة تبين لك أن لها الرجوع بالأجرة على الأب إذا نوت ذلك وأشهدت عليه وان لم تشارط الأب لأن غاية ما يقال لعل الأب يجد متبرعة أو يجد من يرضعه بدون أجرة المثل فيقال في جواب ذلك الأم أحق به ولو حصل من يتبرع برضاعه فحينئذ لا تأثير لكونها تشارط أو لا تشارط لأنها متى أرضعته وطلبت أجرة مثلها لزم الأب ذلك إلا أن تكون أرضعته متبرعة برضاع ابنها ولو تنوي الرجوع على الأب فلا شيء لها والله أعلم.
(المسألة الخامسة) هل منيحة الناقة ونحوها كالعاربة والقول فيهما سواء؟