والخضراء ممّا يلى طنجة- وكان يليان يؤدّى الطاعة إلى لذريق صاحب الأندلس، وكان لدريق يسكن طليطلة، فراسل طارق يليان ولاطفه حتى تهاديا «١» ، وكان يليان قد بعث بابنة له إلى لذريق صاحب الأندلس ليؤدّبها ويعلّمها فأحبلها، فبلغ ذلك يليان فقال لا أرى له عقوبة ولا مكافأة إلّا أن أدخل عليه العرب، فبعث إلى طارق: إنّى مدخلك الأندلس، وطارق يومئذ بتلمسين، وموسى بن نصير بالقيروان، فقال طارق: فإنى لا أطمئن إليك حتى تبعث إلىّ برهينة، فبعث إليه بابنتيه، ولم يكن له ولد غيرهما، فأقرّهما طارق بتلمسين، واستوثق منهما.
ثم خرج طارق إلى يليان وهو بسبته على المجاز، ففرح به حين قدم عليه وقال له: أنا مدخلك الأندلس، وكان فيما بين المجازين جبل يقال له اليوم جبل طارق، فيما بين سبتة والأندلس، فلما أمسى جاءه يليان بالمراكب، فحمله فيها إلى المجاز، فأكمن فيه نهاره، فلما أمسى ردّ المراكب إلى من بقى من أصحابه، فحملوا إليه حتى لم يبق منهم أحد، ولا يشعر بهم أهل الأندلس، ولا يظنّون إلّا أن المراكب تختلف بمثل ما كانت تختلف به من منافعهم.
وكان طارق فى آخر فوج ركب، فجاز إلى أصحابه، وتخلّف يليان ومن كان معه من التجّار بالخضراء، ليكون أطيب لأنفس أصحابه وأهل بلده.
وبلغ «٢» خبر طارق ومن معه أهل الأندلس ومكانهم الذي هم به، وتوجّه طارق، فسلك بأصحابه على قنطرة من الجبل إلى قرية يقال لها قرطاجنّة، وزحف يريد قرطبة، فمرّ بجزيرة فى البحر، فخلّف بها جارية له يقال لها أمّ حكيم، ومعها نفر من جنده، فتلك الجزيرة من يومئذ تسمّى جزيرة أمّ حكيم.
وقد «٣» كان المسلمون حين نزلوا الجزيرة، وجدوا بها كرّامين، ولم يكن بها غيرهم، فأخذوهم، ثم عمدا إلى رجل من الكرّامين فذبحوه، ثم عضّوه وطبخوه، ومن بقى من أصحابه ينظرون، وقد كانوا طبخوا لحما فى قدور أخر، فلما أدركت طرحوا ما كان طبخوه من لحم ذلك الرجل، ولا يعلم «٤» بطرحهم له، وأكلوا اللحم