أبيه قد تزوّج امرأة نصرانية، بنت ملك من أهل الأندلس يقال إنها «١» ابنة لذريق ملك الأندلس الذي قتله طارق، فجاءته من الدنيا بشىء كثير لا يوصف. فلما دخلت عليه قالت: ما لى لا أرى أهل مملكتك يعظّمونك ولا يسجدون لك كما كان أهل مملكة أبى يعظّمونه ويسجدون له؟ فلم يدر ما يقول لها، فأمر بباب فنقب له فى ناحية قصره، وجعله «٢» قصيرا، وكان يأذن للناس فيدخل الداخل إليه من الباب حين يدخل منكّسا رأسه لقصر الباب، وهى فى موضع تنظر إلى الناس منه، فلما رأت ذلك قالت لعبد العزيز: الآن قوى ملكك.
وبلغ الناس أنه إنما نقب الباب لهذا، وزعم بعض الناس أنها نصّرته، فثار به حبيب ابن أبى عبيدة الفهرىّ وزياد بن النابغة التميمى وأصحاب لهم من قبائل العرب، واجتمعوا «٣» على قتل عبد العزيز للذى بلغهم من أمره، وأتوا إلى مؤذّنه فقالوا: أذّن بليل لكى نخرج إلى الصلاة، فأذّن المؤذّن ثم ردّد التّثويب، فخرج عبد العزيز، فقال لمؤذّنه:
لقد عجلت وأذّنت بليل.
ثم توجه إلى المسجد وقد اجتمع له أولئك النفر وغيرهم ممن حضر الصلاة، فتقدّم عبد العزيز وافتتح يقرأ إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رافِعَةٌ
«٤» فوضع حبيب السيف على رأس عبد العزيز، فانصرف هاربا حتى دخل داره، فدخل جنانا له واختبأ فيه تحت شجرة، وهرب حبيب بن أبى عبيدة وأصحابه، واتّبعه زياد ابن النابغة، فدخل على أثره، فوجده تحت الشجرة؛ فقال له عبد العزيز: يا ابن النابغة نجّنى ولك ما سألت، فقال لا تذوق الحياة بعدها، فأجهز عليه واحتزّ رأسه، وبلغ ذلك حبيبا وأصحابه فرجعوا.
ثم خرجوا برأس عبد العزيز إلى سليمان بن عبد الملك، وأمّروا على الأندلس أيّوب ابن أخت موسى بن نصير، ومرّوا على القيروان وعليها عبد الله بن موسى بن نصير، فلم يعرض لهم، وساروا حتى قدموا على سليمان برأس عبد العزيز بن موسى فوضعوه