المنكوب، فحين غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهزمهم، كانت معاملته لهم بعد الهزيمة على خلاف ما كان يتوقّعه هؤلاء القوم، فقد عاملهم بالرفق واللين، وتزوج ابنة شريفهم لجبر خاطرها وردّ اعتبارها إليها وإلى قومها، وانطلق المسلمون يفكون أسراهم حين انتشر خبر زواجه صلى الله عليه وسلم من جويرية، فلم يعد يحسن استرقاق أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم كان لهذا الصنيع الإسلامي من جميل الأثر وعظيم الوقع في نفوس بني المصطلق جميعاً فلم يكن موقف هؤلاء بعد هذه الغزوة إلا الانضمام فوراً لكتائب الإسلام المجاهدة وبذل المج والأرواح لنشر هذه المبادئ الإسلامية السامية، التي شملتهم بعطفها وحنانها وذاقوا حلاوة المعاملة الإنسانية الرفيعة تحت توجيهات نبيهم صلى الله عليه وسلم ومما يدل على حسن إسلام هذه القبيلة، وما كان لها من دور فعّال في سبيل الدعوة إلى الإسلام وإعلاء كلمة الله ما رواه أحمد والبيهقي أن الحارث بن أبي ضرار قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة معلناً إسلامه فقال: يا رسول الله أرجع إلى قومي، فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي منهم جمعت زكاته، إذا كان وقت كذا وكذا، أرسل إلي رسولك كان وقت كذا وكذا أرسل إلي رسولك ليأتيك ما جمعت من الزكاة، فلما بلغ الوقت الذي أراد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من يأتيه بالزكاة، لم يأت أحد، فشق ذلك عليه وظن أنه قد حدث سخطة، من الله عز وجل ورسوله، فدعا بسروات قومه، وقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة، كانت فلننطلق لإلى المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم الوليد بن عقبة، فلما وصل إلى بعض الطريق رجع، وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحارث منعني الزكاة وهم بقتلي، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش بالذهاب إلى الحارث ولما وصل الحارث المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بعثت إليك الوليد فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله"، فحلف الحارث بالله ما رأيته، ولا أتاني، فأنزل الله تصديقه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين فَضْلاً مِنَ اللَّهِ