للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: تغلب الرسول صلى الله عليه وسلم على المشكلات التي صاحبت هذه الغزوة]

إن معالجة الرسول صلى الله عليه وسلم لتلك السموم التي نفثها المنافقون في ساحة الجيش الإسلامي، ابتغاء تمزيق وحدته وتفريق كلمته، لتدل دلالة واضحة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم محاط بالعناية من الله عز وجل وعلى أنه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ، [سورة النجم الآيتان: ٣-٤] .

لقد كان ما تفوه به ابن أبي من الكلام البذيء مسوغا كافيا لقتله، وإراحة الناس من شره، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لبعد نظره وتوفيق الله له، رأى أن المصلحة تقتضي التسامح والصفح عنه، فقابل تلك الأذية والقول اللاذع بصدر رحب وقلب واسع، فقد ضاقت نفس عمر بن الخطاب ذرعا بهذا المنافق ووسعه حلم الرسول صلى الله عليه وسلم وصفحه الجميل عمن أساء إليه، يوضح ذلك ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم عندما قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق"، فقال: "كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"١.

ولكن أذن بالسير فسار بالناس في ساعة لم يعهد له أن يسير في مثلها، وأمر بالسير المتواصل حتى لا يتمكن المنافقون من التجمع والخوض في حديث ابن أبي وترويجه بين الناس.


١ انظر ص ١٨٦ مما تقدم.

<<  <   >  >>