للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: موقف المنافقين في أحد]

روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد والطبري من حديث زيد١ بن ثابت رضي الله عنه قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة أحد، رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنَزلت٢: {فَمَا


١ زيد بن ثابت بن الضحاك بن لوذان بفتح اللام وسكون الواو وبذال معجمة، الأنصاري النجاري، أبو سعيد وأبو خارجة، صحابي مشهور، كان يكتب الوحي، قال مسروق: كان من الراسخين في العلم، (ت٤٥ أو ٤٧) وقيل بعد الخمسين /ع. التقريب ١/ ٢٧٢.
٢ قوله: فنَزلت: فما لكم في المنافقين فئتين الخ: قال ابن حجر: "هذا هو الصحيح في سبب نزولها، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم عن أبي سعيد بن معاذ ن قال: نزلت هذه الآية في الأنصار، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من لي بمن يؤذيني؟ " فذكر منازعة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير ومحمد بن مسلمة، قال: فأنزل الله هذه الآية" قال ابن حجر: "وفي سبب نزولها قول آخر: أخرجه أحمد من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه "أن قوماً أتوا المدينة فأسلموا، فأصابهم الوباء فرجعوا، واستقبلهم ناس من الصحابة فأخبروهم فقال بعضهم: نافقوا،، وقال بعضهم: لا، فنَزلت" وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سلمة مرسلا، فإن كان محفوظا احتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا، فتح الباري ٧/ ٣٥٦ قلت: الراجح أنها نزلت في رجوع عبد الله ابن أبي وأصحابه يوم أحد ويدل عليه سياق الحديث حيث ذكر الخروج إلى أحد ورجوع ناس ممن خرج معه صلى الله عليه وسلم ثم عقب بنزول الآية، وقد بينت روايات المغازي أن هؤلاء الناس هم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه. وقد رجح هذا القول الشوكاني، فقد أورد حديث زيد بن ثابت وقال: هذا أصح ما روي في سبب نزول هذه الآية، وقد رويت أسباب غير ذلك وأشار ابن كثير إلى رواية ابن أبي حاتم المصرح فيها بأن الآية نزلت في شأن قصة الإفك، ثم قال: وهذا غريب. انظر فتح القدير للشوكاني ١/ ٤٩٧ وتفسير ابن كثير ١/ ٥٣٣.
وأورد الطبري الأقوال المتقدمة وغيرها، ثم قال: "وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال نزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا ارتدوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن اختلاف أهل ذلك إنما هو على قولين: أحدهما أنهم قوم كانوا من أهل مكة على ما قد ذكرنا الرواية عنهم، والآخر أنهم كانوا من أهل المدينة، وفي قول الله تعالى: {فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُم أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا} ، أوضح الدليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة، لأن الهجرة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر، فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيما من المنافقين وأهل الشرك فلم يكن عليه فرض هجرة، لأنه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه".
انظر تفسير الطبري ٥/ ١٩٤. والظاهر في السبب هو ما قدمنا ترجيحه.

<<  <   >  >>