لقد صار بنو المصطلق بعد الغزوة دعاة إلى الله عز وجل، منضمّين تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبحوا محل عناية واحترام بين المؤمنين، إذ كان زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رفعة لهم، وإعلاء لشأنهم، ومنزلتهم، فكان لهذه المصاهرة، أثرها الفعّال في نفوس المسلمين، حتى أطلق المسلمون ما بأيديهم من أسرى بني المصطلق، وكبر عليهم استرقاقهم، بعد أن صاروا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان لهذه المعاملة الحسنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام لأسرى بني المصطلق أثر جميل في قلوب بني المصطلق، فسارعوا إلى الإسلام واعتنقوه عن الإيمان راسخ وقناعة كاملة، ورأوا أن مثل هذه الأخلاق الكريمة لا يمكن أن تصدر إلا من نبي، لأن القوم يعرفون تاريخ الحروب القبلية وما يحصل فيها من فتك ونهب، وسلب، وكان الشعار المعروف لديهم "من عز بز"١.
وأنه لا مكان في عرف القوى الجاهلية للمغلوب المنهزم، ولا للضعيف
١ أي من غلب سلب، وهو مثل، وأول من قاله رجل من طيء يقال له: جابر بن رألان بفتح الراء وسكون الهمزة أحد بني ثعل بضم الثاء وفتح العين المهملة، وكان من حديثه أنه خرج ومعه صاحبان له، حتى إذا كانوا بظهر الحيرة، وكان للمنذر بن ماء السماء يوم يركب فيه، فلا يلقى أحداً إلا قتله، فلقي في ذلك اليوم جابراً وصاحبيه فأخذتهم الخيل بالسوية فأتى بهم المنذر، فقال: اقترعوا فأيكم قرع خليت سبيله، وقتلت الباقين، فاقترعوا، فقرعم جابر بن رألان فخلى سبيله وقتل صاحبيه، فلما رآهما يقادان ليقتلا، قال: (من عز بز) فأرسلها مثلاً. مجمع الأمثال للميداني ٢/٣٠٧، رقم ٤٠٤٤.