للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللحم إنما يأكلن العلقة١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل٢ الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني، فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس٣ من وراء الجيش فادلج٤، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه٥ حين عرفني، فخمرت٦ وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني٧ كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش


١ العلقة: بضم المهملة وسكون اللام من الطعام: أي البلغة منه، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٣/ ٢٨٩.
٢ في رواية الليث عن يونس "فلم يستنكر القوم خفة الهودج"، البخاري ٦/ ٨٥ كتاب التفسير قال ابن حجر: وهو أوضح لأن مرادها إقامة عذرهم في تحميل هودجها وهي ليست فيه، فكأنها تقول: كأنها لخفة جسمها بحيث إن الذين يحملون هودجها لا فرق عندهم بين وجودها فيه وعدمها، ولهذا أردفت ذلك بقولها: وكنت جارية حديثة السن، أي أنها مع نحافتها صغيرة السن فذلك أبلغ في خفتها. فتح الباري ٨/٤٦٠.
٣ عرس: التعريس هو نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٣/ ٢٠٦.
٤ فادلج: بالتشديد سار آخر الليل. المصدر السابق ٢/ ١٢٩. يقال: أدلج بالتخفيف إذا سار أول اليل، وادلج بالتشديد إذا سار من آخره.
٥ باسترجاعه: أي قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون. كما صرحت بذلك رواية ابن إسحاق انظر سيرة ابن هشام ٢/ ٢٩٨.
٦ فخمرت وجهي: أي غطيته. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٢/ ٧٧.
٧ قال ابن حجر: عبرت بهذه الصيغة إشارة إلى أنه استمر منه ترك المخاطبة لئلا يفهم لو عبرت بصيغة الماضي اختصاص النفي بحال الاستيقاظ، فعبرت بصيغة المضارعة. انظر فتح الباري ٨/ ٤٦٣.

<<  <   >  >>