وهذا التهديد يتناسب مع نفاق عبد الله بن أبي، وأما من ذكر من الصحابة المشهود لهم بالخير ولبعضهم بالجنة، فإنهم لا يدخلون في هذا الوعيد كما هو ظاهر، وإنما هؤلاء يدخلون في مثل قوله تعالى:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} ، [سورة النور الآية: ١٢] .
فهذا عتاب للمؤمنين الذين تورطوا وانخدعوا بدعايات النفاق وأكاذيب المرجفين، والآيات التي تضمنت قصة الإفك واضحة في سياقها {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} ، [سورة النور، من الآية: ١١] ، وهذا هو مطلع هذه الآيات وسياقها ثم ذكرت أن الذي تولى كبره من هذه العصبة واحد منهم، فقال تعالى:{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، [سورة النور، من الآية: ١١] ، ولا شك أن هذا الأسلوب القرآني في سباقه ولحاقه يدل على واحد معين من هذه العصبة، وهو عبد الله بن أبي ابن سلول، كما في الصحيح وغيره بخلاف ما قد يفهم من بعض الروايات التي ألحقت حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش بابن أبي في تولي كبر الإفك، فهؤلاء جماعة والآية تشير إلى واحد من عصبة الإفك، فالتعبير (بالذي) وإعادة الضمير إليه مفردا مرتين في قوله: {كِبْرَهُ} وقوله: {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} مع ذكر العصبة سابقا واضح في أن المراد واحد بعينه من هذه العصبة هو الذي تولى كبره وعظمه١.
وقد وضحته الروايات الصحيحة المتضافرة أنه رأس النفاق ابن سلول، وبهذا التقرير يندفع الإشكال وتتضح الحال، ويظهر أن هؤلاء الصحابة الأجلاء لا يصلح منهم أن يكون هو المراد بهذا التولي لكبر الإفك.
وإذا درسنا الآيات وتأملنا سياقها سياقاً ولحاقاً اتضح أن كل واحد من هؤلاء الصحابة ليس مرادا بتولي كبر الإفك، لأن العتاب الذي عوتب به هؤلاء، نصت عليه الآيات في مثل قوله تعالى:{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} ، [سورة النور الآية: ١٦] ، وقوله تعالى:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} ، ولا شك أن صفة الإيمان ثابتة لحسان ومسطح وحمنة، ومنتفية عن عبد الله بن أبي ابن سلول، وإن كان في الظاهر مسلما، فيكون هذا العتاب لهؤلاء المؤمنين الذين تورطوا في هذه الدعاية السيئة