للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذه الكلمة من سعد بن معاذ إغفال لقيادة سعد بن عبادة لقومه الخزرج، وسبب هذا الإغفال -فيما يبدو - هو تأثر سعد بن معاذ من ألم رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الفرية على أهله.

غير أن هذا السبب الحامل لسعد بن معاذ على مقالته لم يكن ليجدي نفعا في تهدئة انفعال سعد بن عبادة الذي رأى في هذا الإغفال هضما لحقه وتنقصا لقبيلته، فقال فورا: "كذبت١ لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله"، فأثارت هذه الكلمة أيضا أسيد بن حضير ابن عم سعد ابن معاذ فقال لسعد بن عبادة: "كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق٢ تجادل عن المنافقين".

وكانت هذه الكلمة القوية من أسيد بن حضير سببا في احتدام الصراع العنيف الذي دار بين الفريقين (الأوس والخزرج) وارتفعت الأصوات من كلا الجانبين وكثر اللغط وكادت تكون كارثة، تقر بها أعين الحاقدين على الإسلام وأهله، لولا أن الله سلم. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيما في معالجة الموقف، فما زال بالحيين يخفضهم وينهاهم عن هذه العصبيات الجاهلية، التي أرسل لهدمها حتى هدأ القوم وعادوا إلى صوابهم راشدين.

وكان في ذلك انتصار للمسلمين وانكسار لأعداء الله من المنافقين والمشركين.


١ قوله: (كذبت) أجاب ابن التين نقلا عن الداودي أن معنى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجعل حكمه إليك، فلذلك لا تقدر على قتله.
قال ابن حجر: "وهو حمل جيد". فتح الباري ٨/ ٤٧٣.
٢ قوله: (فإنك منافق) الخ أجاب المازري عن هذا بما يأتي:
أ- أن ذلك وقع من أسيد على جهة الغيظ والحنق والمبالغة في زجر سعد بن عبادة، عن المجادلة عن ابن أبي وغيره، ولم يرد النفاق الذي هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر.
ب- أو أراد أن سعد بن عبادة كان يظهر المودة للأوس ثم ظهر منه في هذه القصة ضد ذلك، فأشبه حال المنافق، لأن حقيقته إظهار شيء وإخفاء غيره، ولم يرد بذلك نفاق الكفر، قال: ولعل هذا هو السبب في ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليه. انظر فتح الباري ٨/ ٤٧٣- ٤٧٤.

<<  <   >  >>