للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجيش صباحاً فرأى سواد إنسان نائم فقرب منه، فعرف أنها عائشة، وكان يراها قبل أن يضرب الحجاب عليها، وحين عرفها قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستيقظت عائشة رضي الله عنها باسترجاعه، فخمرت وجهها بجلبابها، وقرب إليها الجمل فركبت وولاها ظهره وانطلق يقود بها الراحلة دون أن يتكلم معها أي كلام، حتى أتى بها الجيش بعدما نزلوا في نحر الظهيرة، وهنا وجد أهل النفاق والزيغ متنفساً فانتهزوا الفرصة وأخذوا يذيعون حادثة الإفك في صفوف الناس، حتى انتشر ذلك في ساحة الجيش، وعائشة لم تعلم بذلك، وكان لهذا الحدث آثاره العميقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصديق وأهل بيته وعلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة، ووصل المسلمون المدينة ولا زال صدى هذا النبأ يتردد على ألسنة الناس، وعائشة في غفلة من هذا لم تبلغها بعد هذه الإشاعة التي أرجف بها المنافقون، وصادف أن مرضت عائشة عند قدومهم المدينة واستمر بها الوجع. وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبويها ولا يذكرون لها منه قليلاً ولا كثيراً، غير أنها كانت تلمح من رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيراً في معاملته لها، فكان يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم، ولا يزيد على هذا. لكنها لم تكن تعلم بما رميت به، ولما نقهت١ من مرضها خرجت إلى الخلاء لقضاء الحاجة وكانت في صحبتها أم مسطح، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح: فقالت عائشة بئس ما قلت، أتسبين رجلاً قد شهد بدراً، فقالت أم مسطح: أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر؟ قالت عائشة: وأي خبر: فأخبرتها بقول أهل الإفك، فقالت عائشة: أو قد كان هذا؟ قالت: نعم والله لقد كان، قالت عائشة: فوالله ما قدرت أن أقضي حاجتي ورجعت إلى بيتي، فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فسلَّم وسأل عنها بنفس الأسلوب فقال: "كيف تيكم" فأدركت عائشة سر ذلك التغير، نحوها، وطلبت الإذن من رسول الله بالتوجه إلى بيت أبيها فأذن لها، وكانت تريد أن تتيقن الخبر من قبل أبويها، فقالت لأمها: يا أمتاه


١ نقه المريض: إذا برأ وأفاق وكان قريب العهد بالمرض ولم يرجع إليه كمال صحته وقوته.

<<  <   >  >>