للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السهل عليه أن ينهي هذه المشكلة منذ نشأتها وطفولتها، ويريح نفسه من ويلايتها ونتائجها. وذلك بأن يأتي بقرآن يبرئ به أهله ويطمئن به أصحابه، ويسكت به أهل القيل والقال، لأنه كان يعلم من أهله الاستقامة والبعد عن هذه الجريمة الشنعاء ولكنه لم يفعل ذلك لأنه لا يملكه وإنما الوحي بيد الله وحده. وقد نفى الله عنه ذلك في أحد مواقفه مع المشركين.

قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ١.

وقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} ٢.

وظل شهرا كاملا يحمل بين جنبيه الألم الشديد، من جراء هذه الكارثة الفادحة ويصبر نفسه على ذلك ويطلب الفرج من الله عز وجل.

وكان من تمام الحكمة الإلهية أن تأخر عنه الوحي هذه المدة كلها ليقضي الله أمرا كان مفعولا.

وقد عالج ابن القيم هذه القضية معالجة طيبة. وفيما يأتي بعض مما أورده في هذا المقام.

قال: "واقتضى تمام الامتحان والابتلاء أن حبس الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا، لا يوحى إليه في ذلك شيء، وذلك لتتم حكمته التي قدرها وقضاها وتظهر على أكمل الوجوه، ويزداد المؤنون الصادقون إيمانا وثباتا على العدل والصدق، وحسن الظن بالله ورسوله وأهل بيته، والصديقين من عباده.


١ سورة يونس، الآية: ١٥.
٢ سورة الحاقة، الآيات: ٤٤-٤٧.
وفي هذه الآيات رد على الملحدين في كل زمان ومكان الذين يقولون بأن القرآن من كلام ((محمد)) وبأنه قصص وأساطير الأولين، وقد قص الله ذلك بقوله {وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء الله لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين} سورة الأنفال: آية ٣١.

<<  <   >  >>