للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحِكَمَ وَالْأَمْثَالَ تُصَوِّرُ الْمَعَانِيَ تَصَوُّرَ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْأَشْخَاصَ وَالْأَعْيَانَ أَثْبَتُ فِي الْأَذْهَانِ لِاسْتِعَانَةِ الذِّهْنِ فِيهَا بِالْحَوَاسِّ بِخِلَافِ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ فَإِنَّهَا مُجَرَّدَةٌ عَنِ الْحِسِّ وَلِذَلِكَ دَقَّتْ وَلَا يَنْتَظِمُ مَقْصُودُ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ مُجَرَّبًا مُسَلَّمًا عِنْدَ السَّامِعِ

وَفِي ضرب الأمثال من تقرير المقصود مالا يَخْفَى إِذِ الْغَرَضُ مِنَ الْمَثَلِ تَشْبِيهُ الْخَفِيِّ بِالْجَلِيِّ وَالشَّاهِدِ بِالْغَائِبِ فَالْمُرَغَّبُ فِي الْإِيمَانِ مَثَلًا إِذَا مُثِّلَ لَهُ بِالنُّورِ تَأَكَّدَ فِي قَلْبِهِ الْمَقْصُودُ وَالْمُزَهَّدُ فِي الْكُفْرِ إِذَا مُثِّلَ لَهُ بِالظُّلْمَةِ تَأَكَّدَ قُبْحُهُ فِي نَفْسِهِ

وَفِيهِ أَيْضًا تَبْكِيتُ الْخَصْمِ وَقَدْ أَكْثَرَ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ وَفَى سَائِرِ كُتُبِهِ مِنَ الْأَمْثَالِ وَفِي سُوَرِ الْإِنْجِيلِ سُورَةُ الْأَمْثَالِ

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: التَّمْثِيلُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ لِكَشْفِ الْمَعَانِي وَإِدْنَاءِ الْمُتَوَهَّمِ مِنَ الْمُشَاهَدِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَمَثَّلُ لَهُ عَظِيمًا كَانَ الْمُتَمَثَّلُ بِهِ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا كَانَ الْمُتَمَثَّلُ بِهِ كَذَلِكَ فَلَيْسَ الْعِظَمُ وَالْحَقَارَةُ فِي الْمَضْرُوبِ بِهِ الْمَثَلُ إِلَّا بِأَمْرٍ اسْتَدْعَتْهُ حَالُ الْمُمَثَّلِ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَقَّ لَمَّا كَانَ وَاضِحًا جَلِيًّا تُمُثِّلَ لَهُ بِالضِّيَاءِ وَالنُّورِ وَأَنَّ الْبَاطِلَ لَمَّا كَانَ بِضِدِّهِ تُمُثِّلَ لَهُ بِالظُّلْمَةِ وَكَذَلِكَ جُعِلَ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ مَثَلًا فِي الوهن والضعف

وَالْمَثَلُ هُوَ الْمُسْتَغْرَبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} وَقَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} وَلَمَّا كَانَ الْمَثَلُ السَّائِرُ فِيهِ غَرَابَةٌ اسْتُعِيرَ لَفْظُ الْمَثَلِ لِلْحَالِ أَوِ الصِّفَةِ أَوِ الْقِصَّةِ إِذَا كَانَ لَهَا شَأْنٌ وَفِيهَا غَرَابَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>