من مرة وجوه التشابه بين أفكاره وأفكار أودعتها في كتاب نشرته منذ زمن غير بعيد.
وكان العجب يعتريني خلال هذه المطالعة إذ أنني لم أر الكاتب التقدمي يذكر- ولو مرة واحدة- كتابي، حتى حينما يكون وجه التشابه بيننا لا يمكن أن يفسر بمجرد الصدفة. بل كنت أراه يلجأ في حالة كهذه إلى التعبير عن الفكرة المشابهة بألفاظ أخرى، ثم يتبعها بتعليق فيقول مثلاً:((إنه لمن فضول القول أن نقول كذا وكذا .. )) وكأنه يحاول بهذا التعليق أن يجعل التشابه من طبيعة الأشياء حتى يبعد عن ذهن القارئ التساؤل في شأنه.
وهكذا تصبح الفكرة المستعارَة من مؤلف من أبناء المستعمَرات شيئاً لا يحتاج إلى ذكر صاحبه لأنه من الأشياء المتداولة، حسب التعليق الذي علق به الكاتب التقدمي الذي استعارها، وفي مكان آخر لا يلجأ هذا إلى مثل هذا التعليق، وإنما هو يبدل الألفاظ التي تعبر عن الفكرة: فقد تحدثت مثلاً عن الشعوب الإفريقية الآسيوية ووصفتها بأنها تكوّن (الطبقة الكادحة في العالم)، فنرى الكاتب التقدمي يبدل بهذه العبارة أخرى فيقول (الطبقة الكادحة العالمية).
وليس لنا بعد هذا أن نصدر- بمقتضى هذه التفاصيل- حكماً عاماً بخصوص الأدب التقدمي والكتاب التقدميين، فإننا نجد في مواقفهم في أوربا من سمو الأفكار، وعلو النفس وطيبة الخاطر، وشجاعة الفؤاد ما هو جدير بالاحترام من كل إنسان يحترم نفسه. وإنما كان علينا في هذا المدخل أن ننبه القارئ الذي لم تسبق له خبرة بالموضوع، إلى بعض الجوانب المجهولة من الصراع الفكري في البلاد المستعمرة.