للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاستعمار، في الصورة التي تكون في نظره شراً لابد منه، لإبقاء الشعب المستعمر في نطاق السياسة العاطفية، وللحيلولة بينه وبين بلوغ مرحلة السياسة المقعدة التي يشير إليها رجل السياسة، في التصريح الذي أوردناه في الفصل الأول، بأنها (علم لا يخطئ).

والاستعمار يطبق في هذا المجال طريقة (دمل التصفية)، فهو يجمع القوى المعادية له تحت سلطان العاطفة، حتى لا تتجمع تحت قيادة (الفكر المجردة)، فتراه أحياناً يلوح بالمنديل الأحمر في مكان معين ليستدرج إليه القوات المكافحة ضده، وتارة يسلط عليه أضواء المصابيح كي يلفت انتباه الجماهير عن مكان آخر تدور فيه المعركة.

ونرى أحياناً أبطال السياسة العاطفية يقومون تحت إشرافه، دون أن يشعروا، بدور صمام فصل الدائرة الكهربائية، في الراديو، ذلك الجهاز الذي يفصل بعض الموجات غير المرغوب فيها عن الاستقبال: فهو يفصل هنا بعض الأفكار عن الحركة السياسية، حتى لا تؤثر في توجيهها أو في تعديل انحرافاتها إذا حدثت.

فلو أننا تتبعنا النشاط الاستعماري في الميدان الفكري في دورة كاملة، أي في معركة تحرر من بدايتها، لرأينا أن (صمام الفصل) الذي نشير إليه يقوم بدوره على مرحلتين:

أ - ففي مرحلة ما قبل الثورة يقوم بدور اللافتة التي ترفع فوق رأس الشعب الشعارات الساحرة: الحرية، الاستقلال، الوطن؛ حتى يحوّل الأنظار عن الأفكار الفنية التي تبحث عن الطرق العملية لتحقيق هذه الشعارات.

ب - وفي مرحلة ما بعد الثورة أي في مرحلة التنظيم بعد التحرر، ترى نشاطه يشوه تلك الشعارات ذاتها حتى يستولي على العقول الريب، ويتسرب إلى القلوب الندم، والأسف على عهد الاستعمار.

<<  <   >  >>