إن مشكلة المقاييس لها حتماً دورها في جميع البلاد، وفي سائر الميادين، والواقع يدلي لنا أحياناً بالبرهان: فمثلاً، بمناسبة معرض الرسم في لوس انجلوس، منذ شهر (١) منحت الجائزة للوحة ثبت أخيراً أنها من عمل ببغاء أراد صاحبه أن يفسح مناسبة للضحك، وطبيعي أن الجمهور ضحك فعلاً عندما بلغه صدى القصة، وضحك على حساب المحلفين الذين أصدروا حكماً على عمل دون الرجوع إلى مقياس، ولكن عندما يحدث هذا الخطأ، في السياسة على أثر حكم مماثل، فالمناسبة لا تكون حينئذٍ للضحك بل للبكاء.
غير أن هذه المشكلة لا يبلغ أثرها في البلاد الأخرى ما يبلغه عندنا، حيث يمتد إلى جميع الميادين السياسية والفكرية. إن العالم الغربي على الرغم من أن (القاعدة المنطقية) لا تحتل فيه مكاناً كالذي نجده في دول أخرى، فإن الناس هناك لا يستهينون بالمقاييس، بل يرجعون إليها في قياس الأفكار وأنواع السلوك، بل يحدث أن يتخذ (النقد الذاتي) في الغرب لهجة، تفوق قساوتها ما تصل إليه في بلاد أخرى تتعصب لمبدأ النقد، وقد حدث فعلاً هذا منذ شهور عندما وجه أحد أعضاء مجلس اللوردات بإنجلترا نقداً إلى الملكة اليزابيث، فكان لنقده صدى كبير في البلاد نفسها وفي العالم.
وهكذا نرى تأثير المقاييس المعدل في حياة الشعوب وفي توجيه سياستها.
إننا ندرك من هنا اهتهام الاستعمار بالاتجاهات المعادية لنظام الرقابة الذاتية، وكيف يرعاها لأنها تدعم الانحرافات التي يريد دسها، عن طريق (أفكار متجسدة) في سياسة البلاد التي تحاول التخلص منه، وكيف يسعى بكل جهده لتحطيم الأفكار المجردة حتى لا تقوم بدورها المعدل، وهو يبلغ هذه الغاية حين يحرك الميول المتجسمة في الفرد أو (مركب الأفراد) الذي يمثل الكفاح ضد