للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوتهم، ومزقوا وحدتهم وصيروهم أقلية حقيقية، بدعوى أنهم لا يريدون أن يتركوهم في وضع أقلية وهمية، ومما يزيد في العار وفي فضيحة الموقف وفي خزي السياسة العاطفية، أن نرى سخف المنطق الذي سارت على هديه القضية حيث قلنا، تأييداً لها، أو سمعنا من يقول، تدعيما لبرهانها: نعم إن المسلمين يأكلون البقرة والهندكيين يعبدونها، فلا يمكن أبداً أن نجمع بين طائفتين هذا شأنهما.

ولو استطاعت البقرة النطق لقالت: ما بال القوم لا يتركونني وشأني، مع من يعبدني ومن يأكلني.

ولكن للأسف إن القيادة السياسية التي قادتنا في معركة فلسطين، وفي تقسيم الهند لم تكن من نوع البقر ... وإلا ما كان يستطيع تشرشل أن ينفذ خطته ولا الاستعمار أن يحقق أهدافه.

وها نحن أولاء مضطرون في النهاية إلى تسجيل حقيقة مرة مثلما سجلها التاريخ: فعلى اعتبار أن فكرة باكستان كانت في عقولنا دواء لحالة مسلمي الهند، فيجب أن نعترف أن الدواء كان شراً من الداء.

ولكن مما يسلينا ويواسينا هو أن القواعد والمقاييس المنطقية قد تغيب، أحياناً حتى في البلاد التي نتلقى منها الدروس.

لقد رأينا منذ أسابيع، موجة استنكار تكتسح العالم بسبب حكم أصدرته السلطات الاستعمارية في الجزائر على فتاة جزائرية. وإننا نشارك طبعاً في هذا الاستنكار حينما نرى أبرز الشخصيات السياسية تحني الرأس تقديراً للرأي العالمي، ونحن أيضاً نحني الرأس أمامه، ولكن أليس من حقنا أن نسأل أنفسنا لماذا هذه الصحافة التي هزتها الموجة التي نشير إليها، كما اهتزت أيضاً لقضية الكردينال مندزنتي ولقضية مكاريوس، لم تحرك ساكناً بشأن فضيلة الشيخ العربي التبسي، حينما اختطفته اليد السوداء من بيته في الجزائر فغاب حتى الآن خبره.

<<  <   >  >>