للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عملية ذهنية واحدة، ولا نرتب تفاصيلها في سياق واحد.

فعندما فكر تشرشل، على أثر الحرب العالمية الثانية، في قضية التوزيع الجديد للقوى في العالم، نراه يدرس في الواقع ثلاث مشكلات أشرنا إليها، لم تر قيادتنا السياسية في كل هذا إلا مظهراً واحداً، هو تأسيس دولة باكستان، طبقاً للميول العاطفية المستولية على الخطة السياسية في بلادنا وطبقاً للنزعة الذرية المستولية على العمليات الفكرية عندنا.

وهكذا فعندما يحطم الاستعمار فكرة معينة، مثلاً كتلك المقالة التي مزقتها الصحيفة العلمية الدينية التي أشرنا إليها، نرى الفكر عندنا عاجزاً عن جمع شتاتها، في عملية ذهنية واحدة تعيد إليها وحدتها ومغزاها (١)، نراه عاجزاً أيضاً وللسبب نفسه عن اكتشاف التزييف عندما يخلق الاستعمار فكرة مزيفة ليروجها في سوق السياسة العاطفية.

وهذا العجز في الاتجاهين، ليس من طبيعة الفكر الإسلامي كي يزعم المستشرق جيب؛ ولكن من أثر التطورات التاريخية التي اعترته مند عهد ما بعد الموحدين، وخاصة، منذ عهد الاستعمار والقابلية للاستعمار، فسلبته ميزات العقل الذي شق طريق الحضارة الإسلامية ومهد سبيل الحضارة الحديثة ...

وهكذا كلما سلب العقل ميزاته، وفقد المقاييس التي تهديه السبيل، كانت الكوارث السياسية على الأبواب، واستطاع الاستعمار أن يحقق أهدافه ضد الأوطان والأديان، تحت شعارات مقدسة كـ (إسلام) و (وطن).

وها نحن أولاء، بعد عشر سنوات تقريباً، نرى أن المسلمين الذين كانت دعوى إنقاذهم أساساً لفكرة باكستان، يرون أن منقديهم شتتوا شملهم وبددوا


(١) قد شاهد المؤلف هذه الظاهرة، لا في تجربة واحدة، ولكن في تجارب متعددة، فهو إذن يقدر هذه الخاصية تقديراً موضوعياً.

<<  <   >  >>