فكانت فكرة باكستان ثمرة هذا التوفيق، أي إنها الحل المناسب للمشكلة الثانية التي كان على تشرشل أن يحلها، غداة الحرب العالمية الثانية، في نطاق استقلال الهند. ولكن إذا كانت الفكرة تحددت مبدئياً فيما يبدو في نطاق المشكلة الثانية فإنها تتخذ صورتها الكاملة في نطاق المشكلة الثالثة، أي بالنسبة إلى مصير الجماهير المسلمة التي يحتمل أن تكوّن في الهند وفي جنوب شرق آسيا قوة هائلة، إذا تابعت سيرها على الطريق الذي تسير عليه منذ انتشار الإسلام هناك.
فكما أن استقلال الهند كان في الواقع سداً في وجه الشيوعية ليحد من انتشارها، فكذلك كان تأسيس دولة (باكستان) سداً وضع ليحد من انتشار الإسلام في الهند، حتى لا تنشأ (قوة) إسلامية في شبه القارة، نظراً إلى أن كل ما يضعف مركز الإسلام في الهند يضعف إشعاعه في آسيا وبالتالي في العالم.
إن هذه التفاصيل تدخل كلها في الحسبان في عملية سياسية معقدة، وفي عملية ذهنية واحدة يقوم بها رجل سياسة مثل تشرشل، حينما يفكر في مشكله معينة تتضمن التوزيع الجديد للقوى في العالم.
ومن هنا تبدأ فكرة باكستان التي تهمنا بصفتها قضية فكرية في نطاق الصراع الفكري، لأننا نرى الاستعمار يحقنها في الضمير المسلم بسهولة نادرة.
إننا رأينا كيف قدر الاستعمار الحلول لمشكلة سياسية معينة، طبقاً لمبدأ توزيع القوى المناسب لمصالحه.
ونحن هنا نرى في الواقع أن الاستعمار يأتي بهذه الحلول، وهو يلقي نظرة على الخريطة الجغرافية التي سترسم على سطحها، ونظرة أخرى على الخريطة النفسية للعالم الإسلامي الذي سيستقبل تلك الحلول بالتهليل والتكبير.
وهو في نظرته الأخيرة هذه إنما يكشف النزعة الذرية: أي النزعة التي تجعلنا لا نتصور قضية سياسية في صورتها الحقيقية، لأننا لا نجمع عناصرها في