عبد القادر المجاوي، يتقدمان على مسرح التاريخ الجزائري بوصفهما أول بطلين في الصراع الذي بدأ حينئذ ضد المرابطين والخرافات.
ولما كان لظهورهما دوي كبير في البلاد، جاءت شخصية ثالثة تدخل على أثرهما: هي الاستعمار.
فالاستعمار يدخل المسرح حتى يعيد إلى جوه صمتاً يغار ويحرص على بقائه كي يطيب للنائمين نومهم.
ذلك هو المشهد الأول من الصراع الفكري في الجزائر.
ولكن الاستعمار لا يلجأ في هذا الفصل الافتتاحي إلى غير وسائل القوة، إذ هو يدرك أنه يواجه (فكرة متجسدة)، يمكنه إقصاؤها عن خشبة المسرح إذا ما أبعد الشيخين اللذين يمثلانها، وكذلك فعل بالضبط.
ولكن سرعان ما تبين له أن الفكرة التي أراد إقصاءها بقيت حية في ميدان المعركة، إذ بقيت في صورة جديدة بوصفها (فكرة مجردة) استقرت في ضمير الشعب.
وهكذا يبدأ الفصل الثاني من الصراع الفكري، إذ أتيح للاستعمار أن يستنتج من الفصل الأول، الاستنتاجات التي سيطبقها فيما بعد في تخطيط سياسته الايديولوجية، إنه يدرك أن وسائل القوة إذا خابت إلى حد ما- كما رأينا في الفصل الأول في مقاومة فكرة متجسدة- فإنها ستخيب حتماً وبالأحرى في مقاومة فكرة مجردة، وأنه يجب إذن اتباع خطط أكثر دقة.
وهنا يبتدئ الصراع الفكري على حقيقته، إذ أن الاستعمار سوف يجتهد في هذا الفصل الجديد، في امتصاص القوى الواعية في البلاد المستعمرة بأي طريقة ممكنة، حتى لا تتعلق بفكرة مجردة، ومن البديهي أنه سيحاول أولاً تعبئتها