للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بصفتها أفراداً مستقلة بوحدتها العضوية، كائنات حية لا تقبل القسمة ولا الضرب.

والاستعمار يطبق طبعاً هذه الحقائق، فهو تارة يحاول تجزئة الفكرة كأنه يريد تقسيم طاقتها الانفجارية، وأحياناً يحاول على العكس، أن يجري عليها نوعاً من الضرب يجعلها مقحمة في عدة أفكار ثانوية، تضيف إلى حجم الفكرة الأصلية عناصر فكرية خامدة، لا أثر لها سوى إضعاف سلطانها على العقول، كما لو أننا لففنا سن المسمار أو حد المنقار بلفائف من الورق أو القماش حتى لا تؤثر فيما نريد نقره أو ثقبه من الخشب.

ولقد رأينا مثلاً في باندونج كيف طبقت هذه الرياضة الفكرية في صورة (الضرب)، فيما يتصل بالفكرة التي تتضمن المبادئ الأساسية الخمسة Paneh Shila، التي تكون وحدة فكرية قامت بدور هام في توجيه سياسة التعايش والحياد قبل المؤتمر، خلال مداولات نيودلهي وبكين، وفي تحضير المؤتمر ذاته، فكان إذن من الطبيعي أن تكون هذه المبادئ (الفكرة)، أي الأساس النظري الذي يقوم عليه بناء المؤتمر، ولكن عندما وصل وفد إحدى الدول الآسيوية المشتركة، بذل كل جهده ليكون عدد هذه المبادئ سبعة أو عشرة، ويمكن أن نتصور هذه الإضافة المقصودة بصفتها عملية تشتيت للقاعدة.

ويمكن أن نتابع هذه الاعتبارات في مؤتمر القاهرة ذاته، فلم يكن من مصلحة الشعوب الأفرسيوية الإكثار من المقترحات، لأن هذا الإكثار يزيل أولاً مضاء الفكرة الأساسية ثم يكون عقبة في سبيل التطبيق، وهذا وذاك في صالح الاستعمار طبعاً، ولا يخفى ماللاستعمار من الحضور في كل مداولة مثل مؤتمر باندونج أو مؤتمر القاهرة، حضوراً خفياً أو ظاهراً، تصل عن طريقه الإيحاءات المناسبة لتطبيق القواعد الخاصة بكيمياء وبرياضة الأفكار، فتطبق أحياناً في صورة (المزلقة) وأحياناً في صورة (الاستبدال) وأخرى في صورة (البتر).

<<  <   >  >>