للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتعجب إن شئت، أيها القارئ الكريم، ولكنه واقع الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة ..

ولنتصور الآن: ماذا يكون موقفك في مثل هذه الظروف، وليس أمامك إلا السكوت في صالح الاستعمار أو الكلام في صالح قضية تهم الشعب!

فإذا قدرنا أنك اخترت الحل الثاني، فيبقى علينا أن نستنتج من هذا الفرض نتائجه، إذ لا يمكنك أن تدخل المعركة، في مثل هذه الظروف، إلا منفصلاً عن (الجبهة الوطنية) التي تمثل في بلادك (الجهاد) ضد الاستعمار، أي أن الوضع هو الذي يفرض عليك ألا تدخل المعركة إلا بوصفك (فدائياً) لا حيلة له إلا اتباع ما يمليه ضميره عليه، ولا وسيلة له سوى ما بين يديه، دون ما تمويل أو زاد، دون سلاح يأتيه من خلفه في جبهة الصراع.

تلك هي بالضبط ظروف الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة، وليس لأحد أن يختار سوى أن يستمر فيه على هذه الشروط، أو أن يخرج من الميدان.

وإنك تعلم، لا شك، أن الاستعمار بالمرصاد: فهو يريد طبعاً أن يضطر المكافح إلى الحل الثاني، أي أن يضطره إلى الخروج من الميدان.

ولسوف يستعين بطبيعة الحال للوصول إلى غايته تلك بجميع ما في البلاد المستعمَرة من ضعف في حياتها الفكرية ومن رواسب سلبية في حياتها السياسية.

وهذا الجانب من القضية لابد من توضيحه بسبب ما له من الأهمية في سير الصراع الفكري، فلو أننا قمنا بدراسة مقارنة للأشكال السياسية في بلاد مختلفة، أو في بلد واحد في مراحل مختلفة من تطوره، فإننا سوف نجد على العموم، صنفين من السياسة وأن لكل صنف واقعه الخاص.

فأما الصنف الأول فهو السياسة التي تتمثل في (أفكار مجردة)، وأما الصنف الثاني فهو السياسة التي تتمثل في (أفكار مجسدة).

<<  <   >  >>