الكتاب فتصوره للرأي العام، الذي لا يتصل به مباشرة لأنه مكتوب بلغة أجنبية، ولأن الأمية غالبة في البلد، تصوره بأنه ((كتاب يستحق الرضا من الاستعمار)).
ويجب أن نضيف إلى هذه المواقف الثلاثة، موقف الصحافة التقدمية التي لم تقل كلمة في الموضوع، فكان سكوتها من ذهب بالنسبة للاستعمار.
فلو حللنا الآن هذه القصة التي أوردناها، دون أي تعليق عن تركيب عناصرها الأساسية، فإنه يصعب علينا أن نجد فيها إمضاء الاستعمار، لأنه في الواقع لم يكن من مصلحته أن نراه. وهكذا نلاحظ أن القصة قد حققت فعلاً المبدأ الأول، إذ أننا لم نر في سطورها أن للاستعمار دخلاً في تصميمها، وتنسيق عناصرها وترتيبها.
ولكن النظرة الفاحصة تبدي بين السطور، الأشياء التي تخفيها السطور، فلو حللنا بعض التفاصيل التي لا يمكن أن نعمد إليها هنا، حتى لا نقع في إطالة غير ممكنة، فإننا سوف نرى في التفاصيل التي أتت مثلاً في جريدة العلماء، الإتقان الذي نجده عادة فيما يصنعه الاختصاصيون الذين يعملون بالمراصد الخاصة بالصراع الفكري، ولتوضيح هذه الملاحظة، بصفة عابرة، نقول على سبيل المثال، إن صاحب المقالة التي تنسب كتابي إلى مراسل جريدة كبرى تصدر بباريس، هو- كما نعرفه- لا يقرأ هذه الجريدة حتى يمكنه أن ينسب شيئاً إليها، وإذن فهو مكلف بأن يقول هذا القول.
المهم أننا إذا تجنبنا الخوض في تفاصيل جزئية وعدنا إلى القصة في جملها، فسوف نجدها بعد أن حققت المبدأ الأول الذي يحيطها بالغموض الكافي، قد حققت المبدأ الثاني أيضاً، لأن المعركة لم تعد بين كاتب يدافع عن قضية وبين الاستعمار الذي تتناقض مصالحه مع تلك القضية، بل هي أصبحت في ظاهرها، معركة بين ذلك الكاتب وبين هيئات وطنية تزعم بأنها تمثل تلك القضية.