للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن أكبر لحظات التاريخ هي دوماً اللحظات التي تتكون فيها وحدة كفاح شاملة ضد الطبيعة أو ضد البشر.

فعندما تكون المعركة على هذه الصورة فإنها تكون في مستوى القداسة، وذلك هو مستواها الأيديولوجي في أوجه.

ولكنها حالما تفقد طابع الشمول فإنها تهبط من هذا المستوى.

وعليه فالمعركة تصاب بالتدهور والانحطاط الأيديولوجي حالما تحتل فيها وحدات كفاح جزئية مكان وحدة الكفاح الشاملة، وحالما يحدث هذا الانحطاط أو الهبوط في المستوى الروحي، فإن القوى المكافحة تتبدد.

وهذه هي النتيجة الثانية.

وإننا نجد في تاريخ الإسلام صورة هذا التدهور الروحي، الذي يؤدي حتماً إلى التدهور السياسي، بوصفه نتيجة ثانية.

إن واقعة صفين فصمت الوحدة الشاملة التي بناها محمد - صلى الله عليه وسلم - بأمر من ربه، فحطّت بذلك من مستوى المعركة التي بدأت يوم بدر، وهذا الحطّ أو الهبوط الأيديولجي لم يلبث أن أتى بنتائجه المشؤومة في الميدان السياسي ... مصداقاً لقوله عز وجل {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال ٨/ ٤٦].

إن الاستعمار يطبق ضمناً هذه الاعتبارات في خططه المقررة ضد كفاح الشعوب المستعمرة: إنه يهدف أولاً، إلى الحط من مستوى كفاحهم الأيديولجي، وذلك بأنه يحاول قبل كل شيء فصم الوحدة الشاملة التي تضفي على ذلك الكفاح القداسة وتهبه قيمة خلقية عليا، وهو يعلم أنه يحقق بذلك الأهداف السياسية المقصودة.

<<  <   >  >>