هذا الصراع، وبعبارة أخرى: إن الاستعمار سوف يجد في كل الظروف من يسلم إليه، مفاتيح القلعة عندما يلجأ إليها المكافح، ليتحصن فيها خلال معركة عنيفة، إنه سوف يجد من يسلمه تلك المفاتيح لأنه وضع بعض النقود في فتحة ضميره.
وغني عن البيان أن صيحة الفدائي، أو إشارة الخطر التي أطلقها قد تذهب دون أن تنبه الرأي العام، لأن الاستعمار استطاع عزله وإحاطته بصمت عميق.
إن هذه هي حقيقة الوضع الذي يوجد فيه الفدائي، في بعض مراحل الصراع، ولكن الأمثلة البسيطة التي قدمناها لا تعطينا الفكرة الصحيحة عن دقة الاستعمار ومهارته في هذا الفن.
إن فنه يبلغ أوجه من الإحكام، عندما لا تبقى لديه الوسائل المادية، بمعنى أنه لا يستطيع استخدامها في ظروف معينة، وحينئذ تضطره تلك الظروف إلى الوسائل العلمية البحتة.
ماذا يفعل الاستعمار عندما يكون ممكناً، أن يتصرف في المعركة بالإرهاب والإغراء، وبضمير يوجه بنقود يلقيها فيه من فتحته، وبما يملي على صحيفة (وطنية) كي تلزم السكوت، أو أن تختفي في ظروف معينة، عندما يكون غير كاف أو غير ممكن، تطويق المكافح بالصمت وبالظلام.
ماذا يفعل حينئذ الاستعمار؟
يجب أولاً أن نرى كيف يرتبط الصراع الفكري بالقضية السياسية في البلاد المستعمرة: إن هذه القضية تشكل على مسألتين هامتين هما حسب اطرادهما الطبيعي:
أولاً: تجميع قوى الكفاح التحرري من أجل الاستقلال السياسي.