للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التجربة، فإنه يمر في الواقع بمراحل عملية نفسية موجهة، فهو يطارد ويحاصر ويهدد بالاغتيال وبالتعذيب ولا ينتهي الأمر إلى هذا، لأن الاستعمار كان يهدف في الواقع إلى اغتيال أشنع، وإلى تعذيب أفظع، يبقى سرهما في خفايا النفوس المحطمة، وفي أوضاع أدبية ومادية أضر بالكاتب وبأسرته من الشنق أو الإحراق.

وقد يحدث في مثل هذه الظروف ألا يجد الكاتب مخرجاً سوى أن يوجه صرخة ليخرق بها الصمت الخانق الذي أحاطه به الاستعمار، فيوجه حينئذ كتاباً مفتوحاً إلى الرأي العام عن طريق صحيفة وطنية، غير أن الاستعمار قد أخذ الحيطة من هذه الناحية أيضاً، فتمر الأيام والأسابيع وتأتي أعداد الصحيفة متوالية، دون أن يجد الكاتب فيها الصدى الذي يخلصه من التطويق، الصدى الذي يأخذ بثأره من عدوه.

لقد خيبت الصحيفة الوطنية رجاءه، وهنا يجد الكاتب نفسه فجأة أمام نوع من الحيوان مزود بضمير فيه شق؛ كذلك الشق لصندوق الصدقات الذي توضع فيه الصدقات، والاستعمار يلقي في هذا الضمير ما شاء من النقود، حتى يسخره في تلك اللحظة لا يريد تحقيقه في جبهة الصراع الفكري.

ولا شك أنها أقسى لحظة يواجهها المكافح، الذي يشعر فيها أن عزله قد تم فعلاً من جميع النواحي، وهنا تتفتح الهاوية تحت قدميه، وإذا بالظلام يحوطه، ويغمر أعماق حياته فلا يرى أمامه طريقاً ولا حيلة.

تلك هي أقسى لحظات الصراع الفكري، لأن المكافح بدأ يشعر بعبث موقفه. كأنما ألقى بنفسه للتهلكة دون جدوى، ولا شك أن هذه الظروف تتنوع أشكالها، لكنها تتمسك بالطابع الذي يضعه الاستعمار على كل ظروف الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، تطبيقاً للمبدأين اللذين يكونان منهجه العام في

<<  <   >  >>