للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الاستعمار أن يحطم وحدة الجبهة المعادية له في البلاد المستعمَرة، ويعطل نشاطها الفكري كيما يبقى النشاط السياسي أعمى، والأفكار دون جدوى.

ومع ذلك فنحن هنا لا نحاول تفسير ظاهرة لا نملك كل أسرارها، إذ ليس لدينا معلومات مدققة تبين كيف نسق الاستعمار تفاصيل القصة، حتى تأتي ردود الأفعال، الموجهة ضد الكتاب موحدة على الرغم من صدورها من هيئات مختلفة، وإنما نريد أن نجعل هذه الظاهرة موضع التأمل لدى القارئ، ليدرك قوة الاستعمار في هذا الميدان.

وأمام هذه القوة يدرك خطورة الموقف الذي يوجد فيه من يكافح في هذه الجبهة، عندما يتم عزله على الصورة التي أشرنا إليها.

وقد يفهم القارئ من خلال المبدأ الأول والثاني، أنه ليس من مصلحة الاستعمار عندما يريد خنق فكرة، أن يدفع بجهاز البوليس والقضاء في المعركة، إلا في بعض الظروف، عندما يتأكد علمياً أن الخطة المدبرة قد تؤدي بالفرد الذي يجد نفسه في هذه الظروف إلى حافة الانتحار، ذلك لأن الخطة تكون قد أحاطت بجوانب حياته كلها، وطوقته مادياً وأدبياً، حتى يكون على وشك اليأس، وحينئذ ربما يتبين للاستعمار أن من كان قريباً من اليأس سيكون قريباً من الانتحار.

إن المختبرات التي تقوم أعمالها على علم النفس، توجه هذه العمليات بكل دقة، حتى يكون فصل من فصول المعركة في بعض الأحيان، قريباً من التجربة التي يجربها علماء الحياة على بعض الحيوانات الصغرى، لاكتشاف حقيقة من حقائق علمهم، وهكذا يصبح الكاتب الذي يحاول نشر فكرة، حيواناً تجرب فيه بعض وسائل الصراع الفكري، ولا يكون طبعاً لهذه التجربة العلمية، من النوع الخاص، أي صدى في الشارع أو في الصحافة. إذ حينما يمر الكاتب بمراحل هذه

<<  <   >  >>