فالقارئ المسلم الذي تتجه إليه الأفكار، المقصودة بالذات، يعكس عليها، بصفة آلية ما عكسته في نفسه (مرآة الحرمان) على اسم صاحبها، فيكون هذا الاسم بنقطة التقاطع، حيث تتقاطع انعكاسات الكف والحرمان المسلطة عليه من قبل تلك المرآة، التي تعكس عليه الإيحاءات السلبية الصادرة عن المعامل الشخصي، الخاص بالمؤلفين اللذين أقحم صاحب مقدمة العروة الوثقى بينهما في تركيب الجهاز، وهنا ينطلق هذا الجهاز من تلقاء ذاته طبقاً للقوانين النفسية المحددة، التي يجيد الاستعمار استخدامها في ميادين الصراع الفكري، وهو يعلم أن القارئ المسلم عامة بسبب تخلف بلاده، لم يمتلك المقدرة الكافية في نقد الأشياء، حتى إنه لا يؤسس أحكامه على الأفكار، على جوهرها وطبيعتها مباشرة، ولكن على صورتها في مرآة معينة، أي بعبارة أخرى على الصورة التي يريد الاستعمار إبرازها فيها، فهو يحكم عليهاطبقاً لانعكاسها على بصره، لا وفقاً لبصيرته؛ وبمقتضى الضوء النفسي الذي يسلط عليها من الخارج لا بمقتضى ما في جوهرها من برهان.
والحق أن هذا ليس شيئاً خاصاً بالشاب المسلم، فهو قد اتصف به عرضاً بسبب قصور بيئته بالنسبة إلى النمو العقلي، إذ إنها تُعَد حديثة العهد في هذا المجال؛ حتى إن مرآة العروة الوثقى تجبره في مثل هذه الظروف على أن يعكس ما يتلقاه من اسم الأستاذ ليوبولد فايس والأستاذ حيدر بامات على الأفكار التي أقدمها له في كتبي، ومما يزيد في استعداده لهذا ما يكون قد سبق في ذهنه عن (كاتب فرنسي اعتنق الإسلام).
وفي النهاية، ربما تصبح الأفكار غير مفهومة طبقاً لطبيعتها ولجوهرها، ولكن طبقاً لما تبدو في ضوء مصباحين نفسيين.
ومع ذلك فقد يكون للتركيب أهداف أخرى، خارج المجال الذي خصصناه بهذا التحليل، فقد تكون المرآة زمنية، تؤجل تأثيرها حتى تؤديه في ظروف